ثم أخذ في الوقت نفسه يفتش من حوله عن آلات مسخرة يستعين بها على تنفيذ مهمته الخطرة ، فوقع اختياره على موظف آخر من الموظفين الذين يضع فيهم الباشا جل اعتماده وهو المير آخور (١) أو «رئيس الخلية» ـ فكان هذا رجلا يتحلّى بمواهب غير قليلة. فأفضى إليه بأمر السلطان ، وعرض عليه في الوقت نفسه أن ينصبه هو في الباشوية بشرط أن يكون ملزما بمساعدته في قتل سيّده الباشا ، لكن المير آخور ، على كونه من أصحاب المواهب والقابليات ، لم تحمل أعصابه تلك المهمة الخطرة التي كلّف بها بهذه الطريقة. على أننا دعنا نأمل كذلك أن تكون للتقدير الخالص لسيد لطيف متسامح حصة في تعيين الموقف الذي اتخذه. فأخبر السيد «المصرف» بالأمر ، وذهبا معا إلى الباشا فأخبراه بالطبيعة الأصلية للمهمة التي جاء بها القبوچي (٢).
أما الباشا الذي كانت شجاعته الأدبية على ما يبدو لا تساوي قابلياته الأخرى ، فقد ارتبك للخبر وتبين أنه غير قادر على اتخاذ قرار ما حول السبيل الذي كان يترتب عليه أن يسلكه. لكن الأمر كان أخطر من أن يقابل بالتلكؤ والتباطؤ. وما كان من مشاوريه المذكورين إلا أن يقولا له «لا بد أن نقضي على القبوجي ، وإلا فسيقضي هو عليك وعلينا. وإذا كنت تشك في مهمته فإنك مقضيّ عليك لا محالة. إن هذا هو وقتك فاغتنم الفرصة فيه» .. وإذا
__________________
(١) المير آخور كلمة فارسية الأصل تعني رئيس الخيلية ، وكان اسم هذا الشخص سليمان أغا.
(٢) يقول لونكريك في كتابه (أربعة قرون ..) إن داود باشا هو الذي دعاهما للاجتماع والمذاكرة ودعا معهما إسحاق الصراف اليهودي مشاوره الخاص ، بعد أن فاتحه صادق أفندي بعزله. أما علي ظريف الأعظمي في (مختصر تاريخ بغداد القديم والحديث) فيروي الحادث كالآتي : «.. ثم دعا أعوانه ومعتمديه ، من جملتهم صالح أغا حاكم المحاويل ، ورستم أغا ضابط المكرية ، والحاج أحمد أغا متولي المسيب ، وسليمان أغا (أحد معتقيه) ، ومصرف محمد أغا ، والصراف باشي إسحاق اليهودي ، وشاورهم فيما جاء صادق أفندي من أجله فقر رأي الجميع على قتل صادق أفندي وأرسلوا من قتله غيلة ودفنوه سرا في رابية الصابونية في القلعة الخارجية». وتقع رابية الصابونية تجاه الدار التي قتل فيها.