كان الباشا مرتبكا ومتحيرا بالكلية ، وغير قادر على إيجاد طريق يسلكه ، فقد حمل على أن يصادق على الإجراء الذي اقترحه عليه محمد مصرف والمير آخور بدلا من أن يأمر به من عنده. فترك هذان الرجلان حضرته وتوجها لتوّهما إلى حيث كان يقيم القبوجي بعد أن اصطحبا معهما «چاووشا» ضخم الجثة. أما الرجل ، الذي كان قد أوى إلى مضجعه لينام ، فقد تخوّف بطبيعة الحال من الطريقة الخالية من المجاملة التي أوقظ بها من نومه ، وبصوت يعبر تعبيرا كافيا عما كان يساوره من خوف وفزع سألهما عما يريدانه. ثم أضاف قائلا إنه يرجو أن لا تكون زيارتهما له في مثل ذلك الوقت منطوية على شيء من الأذى. فرد عليه السيد المصرف بقوله «إن هذا ما ستعرفه في الحال ، وإن الله جة التي وجدت من المناسب أن تقابلني بها يوم أمس (١) ، سوف ترد عليك هذه الليلة». وإذ كان البائس المسكين قد استولى عليه الخوف تمام الاستيلاء ، فقد التجأ على ما يقال إلى أخس أنواع التضرع والتوسل ، لكن السيد المصرف دعا إلى الدخول «الچاووش» الضخم (٢) الذي كان يحل الشال من محزمه بهدوء فألقى بلفة من شاله هذا حول عنق القبوچي وقضى بسرعة على حياته وتوسلاته معا (٣).
ومما يدل على أن الذين اقترفوا جريمة القتل النكراء هذه كانوا أبعد ما
__________________
(١) إنه يقصد الخشونة التي قابله بها صادق أفندي في طوزخرماتو حينما أرسل المصرف من قبل الباشا للترحيب به من هناك.
(٢) المعروف في كثير من المراجع أن هذا العريف كان يسمى خالد أغا ، وقد كان معه عند ارتكاب الجريمة رمضان أغا حاجب داود باشا أيضا.
(٣) إن رواية لونكريك للحادث فيها اختلاف غير يسير عن هذه الرواية. فهو يشير إلى أن صادق أفندي لم يضلل الباشا وإنما قابل الوفد الذي أرسل مع الهدايا للترحيب به من طوزخرماتو ، بخشونة صريحة. وكذلك قابل المستقبلين على أبواب بغداد بنفس الطريقة. وهو لم يقابل الباشا الذي كان ينتظره في السراي ، وإنما أجل ذلك إلى اليوم الثاني. وتذكر هذه الرواية كذلك أن صادق أفندي هو الذي فاتح داود باشا بعزله وطلب منه تسليم الحكومة إليه.