يكون عن الارتياح من النتائج التي ستترتب عليها أنهم ، لأجل أن يزيلوا الشك ويسكنوا ضجة الناس التي أثيرت بهذه المناسبة ، أطافوا بشخص أريد به أن يمثل القبوجي مرة أو مرتين في الشوارع بعد أن ألبس ملابسه الخاصة. لكن إشاعات اغتياله تمادى الناس في تصديقها حتى وصلت إلى مسامع المقيم الكولونيل تايلور ، الذي ألقى تبعة الجريمة على عاتق الباشا نفسه وصور له عواقبها المحتملة بألوان بارزة. على أن الباشا حاول أن يوري ويورّب بادىء ذي بدء ، لكن زمجرة العاصفة من بعيد التي كانت تتجمع غيومها في استانبول سرعان ما أدت ليس إلى اعتراف سموه فقط بل إلى طلب المشورة والمساعدة بصورة جدية أيضا. ولاعتبارت سياسية ، وقناعة بأن الباشا كان مجبرا على اقتراف جريمة يشيع اقترافها في البلاطات الشرقية أو فوجىء باقترافها من قبل فاعليها الأصليين ، اقتنع المقيم (١) بأن يعرض الأمر على المسؤولين في استانبول بصورة يدافع فيها عنه. وهناك قليل من الشك بأن القضية كانت ، مع شيء من التنازل من جانب الباشا ، ستنتهي في صالحه هو ـ وعند ذاك كان المقيم سيحصل على نفوذ ممتاز لدى الباشا ومفيد جدا للباشوية نفسها ـ لو لا أن تحل بالبلاد النكبة التي أتيت على وصفها من قبل فتؤدي إلى حصول تبدل سياسي وطبيعي في شكل الأشياء العامة كلها ، وحدوث ثورة كلية في مصائر الباشوية وتبديل حكامها.
فقد أفنى الطاعون قوة داود باشا العسكرية بالكلية. ولأجل ان يكون بوسعنا تكوين فكرة عن التدمير التام الذي أصاب جيشه العتيد يجدر بنا أن نذكر أن قطعة عسكرية عدتها ألف رجل ومدربة تدريبا عسكريّا على النسق البريطاني ، لأن الكولونيل تايلور نفسه كان يقودها في يوم من الأيام ، لم يبق منها على قيد الحياة سوى رجل واحد. وقد ترك الباشا بالفعل لوحده في دار
__________________
(١) يلاحظ القارئ من هذا أن الإنكليز منذ ذلك الحين كان يعرف تدخلهم في شؤون العراق الداخلية وتوجيهها بالشكل الذي يضمن مصالحهم. فقد كتب أحد الرحالة الفرنسيين (أوشيه أيلوي ١٨٣٥ م) يقول إن المقيم كان مجبرا على التسامح في أمر الجريمة لرغبته في إبقاء نظام الحكم الذي كان موجودا يومذاك.