كان قد اضطر للالتجاء إليها حينما تهدم قصره ، ومن هناك ، كما سيتبين فيما بعد ، تسلمه رجل يدعى صالح بك كان يمت بصلة الدم إلى بعض الباشوات السابقين ، وتخامره فكرة الحصول على الباشوية لنفسه يومذاك.
وما إن خفت وطأة الطاعون وأدبر شره حتى تقدم أنصار علي (١) باشا نحو بغداد لانتزاع باشويتها له. وكان علي باشا حلب ، قد نصبه الباب العالي لها وأمّن على مساعدة باشا الموصل قاسم أغا له كما يعتقد. وكان الأنصار يتألفون من الشيخ صفوك شيخ شمر الجربا ، وسليمان غنام (٢) الرجل المغامر المتصف ببعض القابليات ، الذي استطاع أن يجمع لفيفا من الغوغاء ويجعلهم من أتباعه. غير أن سكان المدينة ، على ما يظهر ، لم يكونوا ميالين للترحيب به فرابط الحلفاء حول المدينة التي حاولوا كسبها بالقتال من جهة والمفاوضة من جهة أخرى ، وبالخيانة كما تبين فيما بعد من جهة ثالثة. وقد تبين كذلك أن البعض من هؤلاء المتحالفين على الأقل كان يلعب أدوارا مزدوجة ، يدس فيها مع داود وربما مع صالح بك أيضا بينما يتظاهر بكونه يتفانى من أجل علي. وبهذه الاتجاهات المتضاربة دخل الأشخاص الثلاثة ، الذين ذكرت أسماؤهم ، إلى المدينة التي ادّعى قاسم باشا فيها أنه كهية علي باشا. غير أن السكان وقفوا في وجههم وأجبر الشيخ صفوك وسليمان غنام على أن يلوذا بالفرار ، وكان فرار الشيخ صفوك من دار تقع على النهر الذي عبره سباحة إلى الجانب الآخر. ثم قبض على الآخرين ، وحينما تخلى عن قاسم باشم حرسه الخاص اقتاده أحمد أغا التفنگچي باشي العائد لداود إلى بئر قريبة وألقاه فيها (٣).
__________________
(١) هو الحاج محمد علي رضا باشا الذي كانت بعهدته باشوية حلب ، وهو من اللاز الذين يمتون للشراكسة بصلة ويقطنون في الساحل الجنوبي الشرقي من البحر الأسود. وقد صدر الفرمان بتعيينه لباشويات بغداد وحلب وديار بكر والموصل في وقت واحد.
(٢) سيأتي تعريفه فيما بعد.
(٣) يقول لونكريك بهذه المناسبة «.. غير أن العنف الخالي من الحكمة الذي أبداه قاسم (المقبل على السكر كما قيل) وسوء سلوك أحلافه الشمريين والعقيل سرعان ما ـ