القهوة والچبوق ، وبينما كان الفرمان على وشك أن يقرأ دعي الباشا لتناول الفطور في الخارج ، فكان ذلك بمثابة إشارة للبدء بالمجزرة. إذ قام رجل يدعى علي أغا ودعا لفيفا من الأرناؤوط الذين كانوا قد أعدّوا لهذا العمل. على ان هؤلاء ظلوا ساكنين مترددين ، لأنهم كانوا حسب ما يظهر غير راغبين في هذا العمل أو أن طبيعة هذه الخدمة قد أفزعتهم. فصرخ بهم علي أغا يقول : «ما بالكم؟» ، «لماذا تترددون؟ اضربوا ـ فإما أن تقتلوهم أو تقتلون أنتم» ، ثم انتضى سيفه هو نفسه فضرب الگرجي الذي كان يجلس بجانبه. وحينما كان المساكين يهمون بالوقوف ويسلون سيوفهم ، بعد أن أدركوا في وقت متأخر طبيعة الدعوة والأمر ، ألقى علي أغا بنفسه على الرجل الذي كان قد جرحه قبل أن يتمكن من سل سلاحه ، وبادر الأرناؤوط في اللحظة نفسها إلى اطلاق النار من مسدساتهم وانقضوا على الذين لم تصبهم الطلقات. وقد كان النزال قصير الأمد ، فقتل الگرج كلهم ، ومنهم من قتل في مكانه ومنهم من قتل في أثناء هروبه بعد أن أبدوا مقاومة عنيفة. وهكذا تخلّص علي باشا من آخر غلمان داود.
ويكاد يبدو من الغريب الذي لا يصدق تقريبا أن رجالا في مثل منزلتهم لا يستطيعون أن يتكهنوا بوقوع محاولة مثل هذه ، فيبادروا إلى الفرار والنجاة بأنفسهم كلهم. لكننا يجب أن نتذكر أولا أن الهرب إلى بلاد بعيدة معادية له أخطاره ومحاذيره ، ويبدو من الوجهة الثانية ان تدابير غير اعتيادية كثيرة قد اتخذت لتضليل الضحايا في هذا الشأن. ومن الممكن ان يذكر هنا ، على سبيل الحكم على مقدار الغدر والخيانة المنطويين في هذا العمل ، إن أول شخص ضرب في مشهد الدم هذا هو رجل (١) كان قد هرب من خدمة داود والتحق بعلي باشا في حلب ثم رافقه من هناك بصفة كونه كهية للباشا الجديد ، وقد حضر إلى ديوان الباشا بهذه الصفة ـ هذه هي أمانة العثمانيين ، وجزاء الخدمة في تركيا!
__________________
(١) يقول صاحب «مرآة الزوراء» إن المماليك المرتدين الذين كانوا بصحبة علي رضا باشا هم رستم وسعدون وأبو بكر ، وقد حثوه على قتل داود.