ولم يستقم هرب صالح بك مدة طويلة من الزمن. فإنه بطريقة مماثلة قد جرى تضليله بسيل من الألطاف والإنعامات ، فكان يمشي في حلم من الأمانة الوهمية الخداعة حتى حدث ذات يوم ، بينما كان يمر في طريقه من مكتب الكهية إلى غرفة الباشا الذي دعي للمثول بين يديه ، أن قبض عليه فجأة في الممر الضيق وسحب جانبا فأزهقت روحه خنقا(١).
ومن الغضاضة أن أعمد هنا إلى أن آتي بالتفصيل على وصف السلسلة المتلاحقة من أعمال الغدر والجريمة والجشع التي أعقبت هذه الحوادث ، ولا أريد أن أطالب بشرف تدوين تاريخ علي باشا. لكنني أود أن أقول إنه ما كادت تنقضي الفترة التي كانت تسمح بمرورها الفطنة ويحتمها الحذر حتى صودرت (٢) جميع ممتلكات الذين كان لهم أدنى اتصال بالباشا السابق ،
__________________
(١) إن رواية لونكريك تختلف عن هذه ، فهو يقول إن صالح بك وقع من ظهر حصانه فقتل أمام الدار التي حكم فيها بغداد عدة أسابيع مضطربة. أما سليمان فائق بك فيورد في (تاريخ بغداد) رواية قتله بشكل آخر. فهو يقول : «لقد كان الحاج أبو بكر الكتخدا السابق قد أرسل قبل الحادثة من يستدعي الحاج صالح بك للحضور إلى دار الحكومة من الدار التي كان قد اتخذها مسكنا له أيام العصيان ، فلما حضر أخذه إلى مكان آخر ، ولما أطلقت المدافع إيذانا بتنفيذ الخطة المرسومة تقدم نحوه وقطع حبل حياته.
ويقول أحد الذين حضروا هذا المشهد المرعب إنه كان مارا باتجاه الميدان فشاهد جمعا من الجنود المدججين بالسلاح يدخلون دار الحاج أبي بكر أغا ، فلما اقترب من الباب أبصر الحاج صالح بك يخرج راكبا وبحالة اضطرب ظاهر ، ولما وصل إلى خارج الباب احتشد حوله قسم من أولئك الجنود وأنزلوه قسرا ووقعوا به ضربا وطعنا. وقد سمعه يتلفظ بكلمة آمنت بالله وملائكته إلى آخرها ويرددها باضطراب ثم أعقبها بالشهادتين وخر صريعا ، فتقدموا منه وحزوا رأسه وأخذوه وتركوا جثته في أحد الأزقة مكشوفة ومطروحة على الأرض ولا شيء يستر عورته». ومما يجدر ذكره أن سليمان فائق بك صاحب هذه الرواية عاصر هذا الحادث وكان فتى يافعا حينما وقع ، وكان ينتمي لأوساط الطبقة الحاكمة يومذاك.
(٢) كانت حوادث التعذيب وانتهاك الحرمات التي استعملت في مصادرة الممتلكات سببا ـ