منهن يكن لطيفات الطوية حسنات الخلق. وإني أتصور أن هذه الصفات هي التي يتكون منها جماع فضائلهن الاجتماعية ، عدا بعض الاستثناءات الفردية التي يمكن أن توجد بطبيعة الحال. وقد تكون جرثومة الصفات الحميدة الأخرى قد ولدت معهن ، لكنها قد وهنت بالإهمال ، أو قضى عليها تفاقم الرياء ، والاستهتار بالقيم الذي يشجعه وضع المجتمع الذي ينحصرن فيه بشقاء واكتئاب. ولذلك فإني أهنىء النساء الأوربيات ، والإنكليزيات منهن على الأخص لأن العناية الإلهية الرحيمة قد حفظتهن من مثل هذه الحالة المنحطة.
ولم أتطرق حتى الآن إلى ذكر شيء عن طبقات النساء الدنيا لأنهن يكدن يكن الكادحات المسترقات اللواتي يخلفن العوز في جميع البلاد ، وبارتقائهن في سلم الثروة والرفاه يقلدن المتفوقات عليهن. فإنك تجدين النساء العربيات يطفن في الشوارع غير محجبات وبملابس رخيصة جدا ، وهن يتغطين بالعباءة الأبدية ، وقد وشمت جلودهن بعلامات لا عد لها من الوشم. أما المتزوجات منهن فيحملن في أحد منخريهن خزامة من الذهب أو الفضة كأنها زر كبير من أزرار التخريم ، ويتزين بخلاخيل وأساور من الفضة أو النحاس الأصفر تبعا لإيرادهن وحالتهن المالية. وأعتقد أن الأرمنيات والكاثوليكيات يلبسن كالنساء التركيات تقريبا. لكن اليهوديات لهن زي مختلف لا أعرف شيئا عنه ، كما أن أرمنيات الأماكن الأخرى لهن أزياؤهن الخاصة كذلك. وقد قيل لي إن جميع الأزياء النسائية في بغداد تختلف اختلافا غير يسير عن الأزياء في استانبول.
وبعد هذه النبذة الطويلة عن أزياء النساء وملابسهن فإنكم قد تعذرونني لعدم دخولي في تفصيلات خاصة عن ملابس الرجال. فإن الزيين السائدين في هذا الشأن هما الزي التركي والزي العربي. إذ يرتدي التركي صدارا متسعا يشد حول المحزم بشال ، ويلقى فوقه رداء من القماش العريض الذي يكون مطرزا في العادة. وفي الطقس البارد يرتدي سترة مبطنة بالفرو ، وعمامة كبيرة من الموسلين الأبيض أو الشال على رأسه. أما اللباس العربي فقد أتيت عليه من قبل ، وليس عندي ما أضيفه هنا سوى أن أقول إن خليط الملابس والألوان وبريق الأسلحة والنياشين يتكوّن منه منظر بهيج تنبض فيه الحياة لدرجة غير يسيرة.