جزء من عملية الخداع كلها كان الاعتقاد الذي يساور كل واحد من أصحاب المطالب هذه بأن ما كان يريد هو نفسه قد حصل بالفعل ، فضاعت شكوك القلة المرتابة في لجج الكثرة الكاثرة من المصدقين.
وبينما كانت الأمور تسير على هذه الحالة جاء أحد التجار يطلب مساعدة مأمون في الكشف عن سرقة أموال تعود له ومعرفة اللص الفاعل. فكان شيء من الخشية المتواضعة التي أبداها مأمون كافيا لإقناع التاجر بقدرة الرجل القديس على ذلك ، وبالتعهد بتقديم هدايا كبيرة لمساعدته في توسلاته الأصلية. لكن القديس ظل حييا متمنعا ، فازدادت معروضات التاجر حتى انتهت بتسليم الدار والمؤسسة والطفل إلى الرجل الذي يملك مثل هذه القدسية والحكمة الأصلية. وبعد أن أقام مأمون في مسكن التاجر واستحكم فيه ، شرع بإجراء تحقيقات دقيقة في ظروف الأشخاص الذين يمكن أن تكون لهم علاقة بالسرقة ، وأشار على التاجر بأن يجمع في يوم معين جميع خدمه ليختبر فيهم تأثير بعض الرقى والتعزيمات التي خرج بعد ذلك لاستحضارها.
وبعد أن عزل نفسه عن الأسرة بأجمعها خلال الفترة التي أعقبت ذلك ظهر في الوقت المعين أمام الخدم الذين قرر اجراء تعزيماته عليهم ، وهو يرتدي ملابس من الحرير الأسود وينثر خصل شعره الفاحم الأشعث بحيث ينحجب وجهه وراءها ، ويحمل في إحدى يديه مبخرة ممتلئة بالنار وفي الأخرى كيسا صغيرا أسود يحتوي على التمائم والعقاقير. ثم أخذ شيئا قليلا من العقاقير ورماه بصمت وهدوء فوق النار في المبخرة التي كان يتصاعد منها دخان كثيف ورائحة نفاذة للغاية ، وبتأثير هذه الرائحة القوية والتهيج الذي كان يوحيه المنظر العام في نفس الحضّار ، الذين كانوا جالسين في ذلك الوقت ، نهضوا كلهم مرة واحدة وهم يرددون «الله ، الله». وقد انحنى إلى الأمام حتى التاجر المسروق ، الذي تصور المصير الرهيب الذي كان من المنتظر ان يصيب اللص المجهول ، وكأنه يريد أن يوقف إن أمكن سير التعزيمة وتقدمها. ولكن الرهبة أخرسته وتمادى الساحر في عمله.
ثم أخذ من الكيس عدة حبيبات داكنة اللون وصار يعرضها للرائحة التي