ولا تزال كربلاء في حالة ثورة (١). فلم يستطع اليرماز والقتلة والسفهاء الذين يكوّنون عددا كبيرا فيها ، من صد الجيش الذي جرده الپاشا عليهم فقط بل أصبحوا أيضا يهيمنون هيمنة تامة على البلدة كلها بحيث لم يكن بوسع أحد أن يعصي لهم أمرا أو يتحداهم من دون أن ينال جزاءه. فقد ابتدعوا طريقة سرية للاتصال والتفاهم فيما بينهم لا يحيط بها غير الداخلين في زمرتهم ، وبواسطتها يستطيعون أن يجمعوا في أي مكان كان قوة غير يسيرة بأسرع ما يمكن. ولذلك كان الناس المحترمون يخشونهم بحيث لا يجرأون على بذل أي مجهود أو اتخاذ أي إجراء من الإجراءات لمعارضتهم وحتى لحماية أنفسهم منهم. فقد حدث قبل مدة غير طويلة أن غضب هؤلاء على نواب (٢) هندي كان
__________________
(١) جاء في إحدى المخطوطات التاريخية (مجهولة المؤلف) التي ينقل نصها كتاب (تاريخ العراق بين احتلالين ج ٧) ذكر مفصل لحالة كربلاء في هذا الدور ، وللثورة المشار إليها. فيقول صاحب المخطوطة : «بلدة كربلاء كانت عاصية على وزراء بغداد ، فسير نجيب باشا إليها ، وحاصرها وكان بها السيد الزعفراني .. ترأس على أو باشها وسفهائها ، وأطاعه أراذل البلد وعامتها من أيام داود كانوا عاصين ، إلا أنهم يؤدون شيئا قليلا عوض خراجها ، وكل من يعمل مفسدة من العراق ، أو يأكل أموال الناس ، يذهب إلى كربلاء ويجار بهؤلاء الأراذل حتى اجتمع عندهم مقدار عشرة آلاف مقاتل من اجلاف الناس وعصمت أيام داود باشا ، وزمان علي باشا أيضا ..
في كربلاء حتى أنهم أمسكوا مرة أحد مجتهديهم السيد إبراهيم القزويني ليلاع ولم يطلقوه حتى أدى لهم أربعة آلاف قران من سكة محمد شاه ... وكانوا مفسدين ذوي جرأة على أعراض الناس ، وأهل البلد يهابونهم ، ويخافون على أنفسهم ، لأنهم متى أرادوا هجموا على بيت أحدهم ونهبوه. والحاكم هو من أهل البلد طوع أيديهم .. وفي أيام علي باشا حاصرها وخرج إليه سادات البلد ، وعلماؤهم ، وتكفلوا له بزيادة الإيراد ، فارتحل عنهم. وكان لا يبالي بعصيانهم ومرامه الدراهم فقط ، وقد أدوا له سبعين ألف قران المثل اثنين عما يؤدونه إلى داود باشا ، فرضي وتركهم.»
(٢) لا تزال أسر النوابين التي استوطنت كربلاء وبغداد بعد هجرتها من الهند موجودة في المدينتين حتى الآن.