جهوده بمزيد من الحيوية للقضاء على ما تبقى من القلاع في تلك البلاد. على أن العمادية لم تكن قد سقطت بعد حينما زار البلاد الدكتور روص ، وكان المير منهمكا في محاصرة عقرة ، إحدى القلاع الحصينة جدا الواقعة على الزاب ، والتي تبعد مسيرة أربع عشرة ساعة من شمال أربيل.
وكان الدكتور روص قد غادر بغداد في منتصف مايس ١٨٣٣ م ، وبين الملاحظات الأولى التي دوّنها عن الرحلة التباين الكبير الموجود ما بين المناطق التركية والكردية من حيث السكان والشؤون الزراعية. فقد كانت جميع القرى في المناطق التركية مهجورة ، لأن السكان قد فرّوا منها لتحاشي ما كانت تفرضه الحكومة عليهم. وكل من بقي فيها كان يلهج بالتذمر من باشا بغداد ، علي باشا ، وحالما كان يظهر في الأفق رجل من رجال الحكومة كان الناس يفرّون من وجهه ليخفوا أنفسهم عنه. غير أن قافلة الدكتور ما إن وصلت لآلتون كوبري حتى تقاطر الناس عليها لاستقبال بايزيد بك ، وهم يضعون الزهور فوق رؤوسهم كما يفعلون في أيام العطل والمناسبات ، وتزاحموا على تقبيل يده ، ثم هتفوا له حينما مرّ أمامهم.
وقد كان السهل الممتد ما بين آلتون كوبري وأربيل مكسوّا بالأزهار المختلطة بأوفر أنواع الخضرة وأبهجها ، كما كانت البلاد تعج بالسكان. ويصف الدكتور روص استقبال بايزيد بك في آخر مكان بكونه على غاية ما يكون من الجمال والروعة ، من ناحية الملابس والأزياء والروح الودية التي كانت تبعث الحياة في تلك المناظر الخلابة.
وفي التاسع عشر من مايس ترك الدكتور روص أربيل متوجها إلى راوندوز التي كان يقيم بالقرب منها مصطفى بك العجوز ، هدف الناحية المهنية من سفرته. وبعد أن اجتازوا بلادا جبلية مخصبة ، مغطاة بالكثير من أشجار البلوط القصيرة ، وارتقوا عددا من الممرات المنحدرة ، وصلوا إلى دمدم محل إقامة الرجل العجوز الذي كانوا يشرفون منه على وادي راوندوز وقلعتها ، حيث كانت الأخيرة على بعد مسافة لا تزيد على ساعة ركوب واحدة. ودمدم قلعة صغيرة مشيدة فوق قمة صخرية شاهقة يبلغ ارتفاعها مئة قدم ، وتشرف