فقد كانت الأحوال بين الپاشا وقبيلة عنزة تزداد سوءا على سوء في كل ساعة منذ مدة غير يسيرة ، وظل إقلاق البلاد والعبث بها يزداد شدة واتساعا بحيث إن أشخاصا محترمين قد سلبوا في أبواب المدينة نفسها. وانقسمت العشيرة على نفسها إلى عدة جماعات ، حتى صار من الممكن أن تشترك القبائل العربية الأخرى في النزاع أيضا فتشتعل عند ذلك بلاد ما بين النهرين كلها. وقد حدث في الأخير أن سلب عدد من ضباط الپاشا نفسه بالقرب من المدينة ، ودلت التحريات على أن هذا الانتهاك قد أقدمت عليه جماعة من قبيلة عقيل ، التي كانت تعيش في القسم الغربي (١) من المدينة ، فقرر الپاشا وقد ثارت ثائرته لهذه الإهانة الصادرة منهم أن ينتقم انتقاما عاجلا من الفاعلين.
وهؤلاء الأعراب هم جزء من عشيرة كبيرة قوية تقيم في نجد ، وبنتيجة اتفاق عقد قبل ستين سنة مع سليمان پاشا احتكروا حراسة القوافل ودلالتها ما بين هذا المكان وحلب ودمشق. ولأجل أن يتسنى لهذه العشيرة أن تزود القوافل بالعدد الكافي من الأدلاء المطلوبين اعتادت أن تبقي على الدوام عددا معينا من أفرادها في بغداد برعاية شيخ منهم ، لكنهم لم يسمح لهم إلا مؤخرا بالإقامة في داخل الأسوار. على أن نزاعا قد نشب في هاتين السنتين أو الثلاث ، بسبب خصومة قديمة كانت موجودة بينهم وبين جماعة أخرى. وإذ كان العقيل غير مكتفين بطرد خصومهم تصدوا لقافلة غنية كان خصومهم هؤلاء يشرفون على حراستها من حلب إلى ما يقرب من بغداد ، وأعلنوا أنهم ما لم تلب مطاليبهم جميعا فإنهم سينهبون القافلة ويتركون البلاد. ولما كان الپاشا أضعف من أن يستطيع حماية القافلة ، التي كان ينتظر وصولها إلى بغداد بصبر نافذ لأنه كان يعلم بأن الرسوم التي سوف تجبى منها فتذهب إلى جيبه تؤلف مبلغا لا يستهان به ، فقد أذعن لطلباتهم جميعا. وقد كان من بين الأشياء الكثيرة التي تساهل بها معهم السماح لفريق من القبيلة بالإقامة في بغداد بشرط أن يظلوا بالكلية مقيمين في الجانب الغربي من النهر.
__________________
(١) أي في جانب الكرخ بطبيعة الحال.