وهكذا شرع العقيل يقيمون في الداخل ، وأصبحوا منذ ذلك الوقت سادة لا ينازعهم أحد في ذلك النصف من بغداد. فكانوا ، كاليرماز (١) في كربلاء ومحلة الشيخ عبد القادر الكيلاني في بغداد نفسها ، يتحدون القانون فيحمون جميع المشردين والأشرار المنبوذين الذين يلتجئون إليهم ، ولم يكن بوسع أحد أن يقيم في ذلك الجانب من النهر إلا بعد الحصول على السماح اللازم منهم (٢). والخلاصة ، أنهم كانوا هم حكام محلتهم ومنطقتهم وليس الپاشا بالذات. وقد ظل الپاشا ردحا من الزمن برما بعتوّهم وتجبرهم وعازما على تأديبهم وإيقافهم عند حدهم ولكن من دون أن يجرؤ على تنفيذ ما كان يريد في هذا الشأن ، حتى حصل الحادث الأخير فأثار حفيظته عليهم كما ذكرت من قبل وأقدم على استعمال سلطته بهياج وحنق. إذ بعث من يخبرهم بمغادرة المدينة في الحال ، وإلا فسيضطر إلى طردهم عنوة. غير أنه لم يكن من المعتاد في پاشوية بغداد أن تطاع أوامر الپاشا وتنفذ مطاليبه. ولذلك رفض العقيل أن يتحركوا من مكانهم إلا بشروط لم ير الپاشا من المناسب تنفيذها. وقد حدث هذا في صباح يوم أمس ، فذهب شيخ القبيلة الذي ربما أخافه هذا الإظهار غير المعتاد للقوة في السراي بنفسه لمعاتبة سموه والاعتراض على أوامره. وأخذت القبيلة في الوقت نفسه تتجمع معا ، وتستعد لحدوث الأسوء ، وحينما اجتمعنا في المقيمية اليوم لتناول الفطور لاحظنا من شبابيكها درجة غير معتادة من الاضطراب والهياج في الجانب المقابل من النهر. إذ كان الناس يركضون هنا وهناك ويتجمعون معا على شكل جماعات صغيرة وكبيرة ، وقد لاحظنا بنواظيرنا إنهم كانوا مسلحين.
__________________
(١) لا يخفى أن كلمة يرماز كلمة تركية تعني بالعربية ، الذين لا ينفعون لشيء ، ويقصد بهم هنا الأشرار من طبقات المجتمع.
(٢) كان الناس وما يزالون في بغداد يطلقون على جانب الكرخ اسم «صوب عكيل». ولم يزل قسم غير يسير من سكان المحلات القديمة في الكرخ ينتسبون لهذه القبيلة ، التي تشتهر منها بعض البيوتات المعروفة اليوم مثل بيت الخنيني وبيت الكحيمي وبيت سليمان الصالح وبيت اللاحم ، ولا تزال هناك «قهاوي عكيل» وجامع الخنيني وجامع غنام وما أشبه.