وما إن انتهينا من تناول الفطور حتى رأينا الجسر يصبح مزدحما بالناس ، وكانت القفف تعبر النهر بسرعة ذهابا وإيابا. فقد كان هناك على ما اتضح كثير من الهرج والمرج ، واستبان أن بعض الأشخاص كانوا يحاولون قطع الجسر من الجانب الغربي. فتوقع الكولونيل تايلور والدكتور روص أن تحصل معركة في القريب العاجل. «ستراهم يبدأون هناك ، على الجسر في أغلب الاحتمال» ، هذا ما قاله الكولونيل ، ثم أردف يقول «لقد فعلوا مثل هذا تماما في السنة الماضية حينما هاجم الشيخ صفوك المكان». وما كاد ينطق بكلماته حتى انقطع الجسر ودل إطلاق رصاصة من الجانب المقابل على المعركة قد بدأت. فأعقبت ذلك ست إطلاقات أخرى ، وسرعان ما خلا الجسر من الناس عند ما أجيب على النار في الحال من الجانب الذي نقيم فيه. وبعد ذلك خفت ثلة من المشاة النظاميين عبر القسم الباقي من الجسر ، وبعد أن أخذت مواقعها في زوارقه الكبيرة للحماية وجهت وابلا من نارها إلى مقهى في الجهة المقابلة كان الأعراب يطلقون النار منه. وقد استمر إطلاق النار لمدة ساعتين تقريبا ، لم يقع خلالها سوى ضحية واحدة أخبرنا بها وهي امرأة عجوز مسكينة أصابتها رصاصة طائشة حينما كانت تمرّ راكضة فوق الجسر بأقصى ما تستطيع من السرعة.
وقد اختلفت الروايات التي صارت تتداولها الأفواه : فقال بعضهم إن الپاشا قبض على شيخ العقيل ومعه «الكمركچي» التابع له ، وهو وغد معروف ، فأمر بإعدامهما. وادعى آخرون أن الشيخ ما زال سالما في بيته الواقع في الجانب الآخر ، وأن الأعراب هناك ينتظرون أن يتم تجمعهم ليهاجموا جند الحكومة بقوة كبيرة. وقد تناهى إلينا قبل الظهيرة أن الپاشا أعاد الشيخ إلى منصبه ، وسوف لا يحدث شيء أكثر من هذا سوى السلم والصفاء. وقد توقف إطلاق النار تقريبا ، بعد أن كانت تخمد وتعود بين آونة وأخرى. ولكن بينما كان أغا ميناس (١) ، أحد موظفي المقيمية ، يخبرنا بهذه الأنباء السارة سمعت
__________________
(١) المترجم الأول في المقيمية ، ومن نسله ميناس الأرمني الذي كان معروفا ببغداد حتى توفي سنة ١٩٤٨ م.