والمنعة بين القبائل فقد دبرت في الحال أن تضايق زبيدا وتؤذيها حتى أضجرتها ونغصت عليها عيشها ، فقررت أن تحسم المشكل مع عنزة بقدر الإمكان.
ولذلك بعثت زبيد إلى المير آخور ترجوه ان يعيد لها الخيول بأي شرط كان. فتم لها ما أرادت وأعيدت إلى عنزة خيولها المسروقة مع اعتراف متواضع بالخطأ ، ورجاء بإعادة الصداقة إلى ما كانت عليه من قبل بين العشيرتين. فأبت عنزة ذلك قائلا «كلا ، لقد أثبتم أنفسكم بأنكم أناس لا عقيدة لهم ـ أيها الأوغاد والمساكين الذين يعد من الخزى والعار الاتصال بهم. لقد وجدتم من المناسب أن تعيدوا ما نهبتموه ، لكنكم هيهات أن تستعيدوا تقديرنا لكم ـ سنبقى على عدائنا لكم». والحق أن هذا النزاع مع عنزة قد عجل بالقضاء على مكانة زبيد بين العشائر.
ومن مخيم زبيد العاري ذهبنا إلى معسكر الهايته (١) الكائن على بعد غير يسير منه ، فكان هذا منظر طريف آخر ، فقد كان ممتلئا بالمنهوبات التي كان ناهبوها يرزمونها ويؤمنون عليها بقدر ما يمكن. إذ كانت كل خيمة ممتلئة بكميات من الحاجات والأشياء غير المتجانسة ، فالأسرة المصنوعة من جريد النخل والأفرشة والقدور وأواني الطبخ والطسوت والأباريق ، وألبسة النساء
__________________
(١) يقول المرحوم الأب انستاس الكرملي في بعض تعليقاته على كتاب نشره في ١٩٣٦ بعنوان (شعراء بغداد وكتابها في أيام وزارة المرحوم داود باشا والي بغداد) «.. والمشهور على الألسن الهايتة بإسكان الياء .. وهم بمنزلة الضبطية في المئة التاسعة عشرة للميلاد. وكانوا من العساكر الفرسان يخرجون لتحصيل الضرائب أو (الويركو) من سكان القرى ، وكانوا من قساة القلوب يستخرجون الأموال بعنف وشدة فوق المطلوب من الأهالي وكان لا يردعهم رادع. ولهذا جاء في الكلام «صارت الدنيا هايتة» أي أصبحت الناس بلا رادع يردعها. وانقرضت الهايتة في بغداد في أيام مدحت باشا. ويقال إن الهايتة ترقيق الهايطة التركية ومعناها الخارج على الحكومة وقاطع الطريق ... وإذا قال قائل إن الهايتة تصحيف العربية (الهيثة) بمعنى الجماعة المختلطة من الناس المؤلفة من عناصر شتى فلا يكون من المخطئين. ويقال في الهيثة الهيشمة أيضا بشين مثلثة بعد الياء المثناة التحتية».