فرووا روايات مؤسفة عن الحالة العامة هنا ، لكنها لم تكن اسوأ مما تدل عليه المظاهر وتؤيده. وبعد ذلك ذهبت لزيارة الباشا الذي ألفيته في خيمته محاطا بعدد من الأكراد الوسيمين ، ولكن من دون مظهر فخم أو أبهة ذات شأن ـ مسكين الرجل! إنه لا قبل له بذلك. فإن باشوية السليمانية الصغيرة ، غير الغنية مطلقا ولا القوية ، كانت فريسة لمجموعة من النكبات التي أنزلتها إلى حضيض التعاسة. فقد داهمتها أولا النزاعات العائلية ، أي الحرب الأهلية الناشبة بين أخوين ينشدان التفوق والسلطة. فأدى ذلك إلى تدخل أجنبي بطبيعة الحال ، ووقعت الباشوية التي كانت تابعة إلى باشوية بغداد من قبل في أيدي أمير كرمنشاه الإيراني محمد علي مرزا. على ان النزاعات الداخلية والهياجات ظلت مستمرة ، حتى أضعفت الفريقين بحيث إن جارهما مير راوندوز (١) وجد من المناسب بعد موت محمد علي مرزا ان يكتسح البلاد ويلحق جزءا غير يسير منها بإمارته. فسبب له ذلك حربا مع الحكومة الأذربيجانية التي فرضت سلطتها على هذه الجهات ، وحتمت على السليمانية المنكودة الطالع ان تقوم بأود الجيش الإيراني علاوة على دفعها الأتاوي للإيرانيين. ثم داهم البلاد الطاعون (٢) الذي افنى ما يزيد على نصف السكان في البلدة وما يحيط بها من الريف. اما النصف الثاني فقد هاجر من استطاع منهم ان يترك البلاد إلى أماكن
__________________
ـ شأنهم. وندرج فيما يلي ما ورد في (أربعة قرون ...) في هذا الشأن : «... ولم تدم تسوية الأمور التي أجريت في المملكة البابانية في ١٨٢٣ م (أي معاهدة أرضروم الأولى الموقعة في تموز ١٨٢٣ م). فقد تلاها أول وجه من أوجه النضال الطويل بين الأخوين محمود باشا وسليمان باشا. وظلت حامية إيرانية في السليمانية حتى توفي فتح علي شاه في ١٨٣٤ م. وكانت المملكة البابانية في الحقيقة آخذة بالانحطاط منذ مدة. فكانت على هذا العهد تهيمن عليها إيران هيمنة لم تفقها فيها تركية بأي زمن كان. وقد سببت حالة النزاع بين الأخوين الاضطراب والفوضى والفقر. فأكمل الطاعون من بعد ذلك خراب المملكة ...».
(١) إنه محمد باشا الأعور (كور محمد باشا) المار ذكره في الرسالة السابقة.
(٢) وهو نفس الطاعون الكبير الذي تفشى في بغداد وما حولها ففتك فتكا ذريعا فيها في أواخرا أيام داود باشا ، كما سيأتي تفصيله في رسائل قادمة من هذه الرحلة.