تخف فيها وطأة الأعباء والأوزار ـ أي إلى راوندوز وكركوك وأربيل وسائر المناطق الكائنة في البلاد المنخفضة ، بعد أن وجد ان لا معين له على البلوى ولا من يعمل على إعفاء الناس من الضرائب الحكومية. وعلى هذه الشاكلة تقوم إيران بتقوية أعدائها وإضعاف نفسها. لكن الباشا المسكين كان أضعف الناس على الإفلات من العاصفة ، وها هو يجلس الآن بين حطام العظمة الغابرة مرتبكا متحيرا إلى أقصى الحدود تجاه الاستجابة لجميع الطلبات التي تقدم إليه ، مع أنه غير قادر على مقاومتها. وعلى هذا فلا أخالك تعجبين إذا ما علمت بأنني وجدت القليل من الأبهة والفخامة ، أو حتى أبسط وسائل العيش المريح من حوله. فقد استفسر رجاله من رجالي عما إذا كان عندي شيء من السجاد أو «النمد» (١) ليفرش على الأرض غير المبلطة في الدار التي خصصت لإقامتي ، لأن مثل هذه الأشياء كان يكاد يندر وجودها هنا. فلم أزود بأية واحدة منها بطبيعة الحال وكان أحد الأسباب لذلك عدم وجودها!!.
ولقد وجدت الباشا شخصا لطيفا ، مطلعا بالنسبة للأكراد وتبدو عليه في الحقيقة مظاهر «العثمانلي» اكثر من المظاهر الكردية. فأمطرني بوابل من مختلف الاسئلة عن الحالة في اوربة ، وعلاقات كل دولة بالدول الأخرى ، وخاصة عن العلاقات الموجودة بين الباب العالي وروسية ومحمد علي پاشا. وكان على اطلاع غير قليل بشؤون امريكا ، فعمل على تصحيح ما كان يفكر به بعض الإيرانيين الموجودين في مجلسه ، وبعض رجاله أيضا ، من الأفكار القديمة بالنسبة لها. وقد جرى البحث في أحوال الهند ، وذكر الكثير عن الاختراعات الحديثة ، وخاصة الاختراعات ذات الطابع الحربي. وجرنا موضوع تحسين عدة البندقية إلى البحث في طرق اطلاق النار المختلفة وفي أحسن طريقة لمقاومتها والسيطرة عليها في مقابل ذلك. ثم ادى ذلك إلى ذكر موضوع كنت قد سمعت تلميحات إليه من قبل أكثر من مرة ، وهو يقدم لنا نموذجا طريفا للخرافة وتفشيها بين هؤلاء الناس ـ أي نموذجا لسرعة التصديق وحسن النية من جهة ، وللدجل السليط من جهة اخرى.
__________________
(١) النمد بالفارسية هو الفرش الذي يصنع من اللباد (الچبن) ويفرش في مقام السجاد.