ألف بيت أو خيمة بحيث لم يعد بوسع أي رجل من الجاف أن يتعدى إلى تخومها لأنه إذا ما فعل ذلك سرعان ما يقتل بدم بارد. بينما يركب الهماوند بجماعات تعد الواحدة منها عشرين أو ثلاثين خيالا فيذهبون إلى الجاف وينهبون بيوتهم. لكنني أعتقد أن قوله هذا فيه شيء من المبالغة ، لأن الجاف يستطيعون أن يقدموا إلى الپاشا ألف خيال مقتدر في وقت الحاجة. وهم يقطنون في الغالب منطقة شهرزور ، لكنهم ينتشرون أيضا على طول خط الحدود. هذا وقد اغتنم أحد أولئك التعساء من الجاف فرصة مرور قافلتنا فحمل نبالته ووجاهته سالمة إلى خارج المناطق الخطرة.
وقد تم آخر تبديل لحراسنا في جعفران بالقرب من سفح ممر سكرمة ، إحدى بوابات كردستان الكبيرة في هذه الاصقاع. ولما كان قد رافقنا من هناك اثنان من الخبثاء الجريئين الشبيهين باللصوص فقد علق دليلنا عليهما بقوله إنهما يعدان بعشرين فارسا. ثم استطرد قائلا : «إن اللصوص يخشونهما ولا يجرأون على مهاجمتنا بوجودهما ، لكننا يجب علينا أن نكون حذرين على كل حال ، ولتكن حيوانات الحمل غير متباعدة ، ونحن سنكلف أحد هذين بأن يسير في المقدمة.» فجد رفاقي في السير بعد أن صدر لهم مثل هذا الإنذار ، وهم الذين يلجأون في كثير من الأحيان إلى حيلة التلكؤ والتباطؤ الخبيثة ، حتى وصلنا إلى شدقي الممر بالسرعة اللازمة.
فوقفنا هنا وقفة قصيرة ، لكنني سررت لذلك لأنها مكنتني من أخذ رسم
__________________
ـ الوقت الحاضر ، ولا تعد قبيلة الهماوند من القبائل الكبيرة. ويعتقد بعض المؤرخين أنهم في الحقيقة تفرعوا عن عشيرة الجاف الأصلية. وقد جاء في كتاب (عشائر العراق الكردية) أن لغتهم لا تختلف عن لغة الجاف ، لكنها تختلف عن لغة أهل السليمانية وأطرافها المعروفة بلغة الكرمانج. ومن وقائعهم المعروفة في تاريخ العراق الحديث مناوأتهم لباشوية بغداد واضطرار الوالي عمر باشا سردار أكرم إلى تأديبهم بقسوة والتنكيل بهم فأدى ذلك إلى عزله. ولهم موقعة معروفة مع الجاف جرت في مكان يقع بين جمجمال والسليمانية يسمى (كرده لربويه) قتل فيها ابن كيخسرو بك الجاف.