كان يجب أن يقدم لخيولنا ، والطعام لنا. فقد أشرت أكثر من مرة قبل هذا إلى العادة الشائعة في هذه البلاد ، بأن المرموقين من الأجانب والأشخاص الموصى بهم من الأصدقاء أو السلطات الحاكمة يعتبرون ضيوفا عامين وليس مختصين بشخص دون آخر ، وهم والحالة هذه يزودون بالطعام والمنام على حساب الحكومة الاسمي أو الخانات وحكام الأماكن الواقعة على طريقهم. وهذا امتياز تعد مساوئه أكثر من فوائده. فمن الطبيعي أن السائح من دونه لا تتهيأ له الفرصة للاتصال بالطبقات العليا من الناس ، وقد يمر بالبلاد من دون أن يتسنى له الاطلاع على أي شيء من عاداتهم وأحوالهم. لكنه في كثير من الأحيان يصبح قيدا يعيق تحرك السائح وترتيباته ، لأنه لا يستطيع اتخاذ ما يلزم للبقاء في بعض الأماكن أو التوجه إلى أخرى من دون مساعدة مضيفه وموافقته عليها. وقد تكون آراء المضيف نفسه مختلفة عن آراء ضيفه ، أو مؤديه إلى الحيلولة دون تحقيق أعز رغباته عليه.
وفي هذه الحالة ، كنت أنا ضيفا على الپاشا في السليمانية. وتتطلب الأصول المتبعة في هذا الشان أن أستمر على كوني ضيفا ما دمت موجودا في بلاده. غير أنه لما كان هذا يعد شيئا باهظا في تكاليفه فقد حملت القرى التابعة له على تحمل النفقات ، وحتى لو كانت هذه النفقات تقيد على حسابه من قبل خدامه فإن القرويين المساكين كانوا لا يستفيدون شيئا من ذلك لأن الخدام يستفيدون منها هم أنفسهم ويلقون العبء على القرويين على كل حال. أما ما حدث في الليلة الماضية ، فبعد كل ما فعله دليلنا عول خضر أغا لم يأت القرويون بالمقدار الكافي من العلف لخيولي ، ولذلك أخبرت خدامي الخاصين بشرائه على حسابي أنا. ولا أدري إذا كانوا قد فعلوا ذلك أم لا ، لكنني دفعت المبلغ المطلوب. وفي هذه الليلة انتشر في القرية النحيب والعويل ـ فقد حرمت نساء الأسر الخمس أو الست التي تتألف منها القرية من ذخيرتها الشحيحة من الحبوب ، وجاءت إحداهن إلى حيث كنت أمكث معولة مولولة لتسترجع دجاجتها الوحيدة التي كانت قد أخذت منها قسرا ليدخل ريشها في تكوين مخدتي ، فاستعادتها حينما كانت السكين تهم بذبحها.