وقد كنا الآن في وسط آشور القديمة تقريبا ، التي كنا في الحقيقة قد دخلناها حينما اجتزنا الفتحة الأخيرة التي نزلنا فيها إلى سهل السليمانية. والحق أن البلاد لم يكن فيها ما يدل في الوقت الحاضر على أنها كانت مركزا للامبراطوريات قوية الشكيمة. فإن هذه القمم الجرد وتلك الوعورة التي تخترقها الوهاد الجافة فتمتد من حولنا إلى بعيد أو قريب لا يمكن أن تكون قد كانت يوما ما مسرحا للحوادث الجسام التي ينسبها التاريخ إلى امبراطورية سميراميس وأخلافها حيث كان عدد لا يحصى من المتحاربين يتقاتل من أجل النصر والممتلكات المترامية الأطراف.
ومهما كانت المزايا التي كان يتحلى بها أولئك المحاربون الآشوريون ، فإننا وجدنا أخلافهم قساة خشن الطباع مثل المناطق التي يعيشون فيها. فقد كانت إبراهيم خانجي ، القرية التي يسكنها رستم أغا ، عبارة عن مجموعة تتألف من حوالي مئة كوخ مبنية من الطين والحشيش. أما الديوان خانة ، كما كانت تسمى ، التابعة للرئيس التي أدخلنا إليها فقد كان بناؤها واهيا بحيث إنني توقعت أن ندفن بين أنقاضها إذا ما هب شيء من الريح أو سقطت مزنة من المطر خلال الليل. وقد استقبلنا ابنه الذي كان حدثا لطيفا لكنه كثير الفضول قليل الخجل ، له مثلهم جميعا أصابع كصنارة صيد السمك يضعها فوق كل ما تصل إليه يده. ثم جاء رستم أغا نفسه في المساء وهو رجل خفيف الروح طلق المحيا ذو سحنة سمراء داكنة ووجه مدور وضحكة لا مبالية ، فاستقبلنا بمجاملة تهويشية صاخبة. وقد كان من أولئك الشرسين الذين يكونون في أحسن حالاتهم حينما لا يعاكسهم أحد ، كما قالت الممرضة السكوتلاندية عن طفلها المدلل فهو يبتسم دائما عندما يكون على سجيته ، ويقطب حاجبيه حالما يستاء من أحد.
فكنا متحفظين لدرجة ما في بادئ الأمر ، ولما كنت أحاول دوما التوفيق بيني وبين الناس في كل المناسبات على قدر ما يمكن ، فسرعان ما تم التفاهم بيننا ودخلنا في حديث ودي. لكن ذلك بدأ بشكل غريب. فحالما انتهينا من التعارف والمجاملات المطلوبة دعا خادمي الذي كان واقفا في