تركيا الأخرى. وأقدمها على ما يعتقد يسمى جامع سوق الغزل ، لكن هذا لم يبق منه سوى منارة سميكة ضخمة وقسم من السور الخارجي».
وللمنارة حوض واحد فقط ، ينشأ بروزه كما يقول المستر بگنغهام من تحت مركز العمود ثم يصعد إلى أعلى بسلسلة من المنحنيات المعقدة والتزيينات المدلاة على شاكلة المقرنصات «الستالاكتايت» التي تنتفخ بالتدريج إلى الخارج وتنتهي بالحوض من حوالي ثلث ارتفاع المحور. وتكون النهاية مدورة غير رشيقة ، فيبين المنظر العام للرائي منظرا سمجا.
ويعد هذا الحوض أعلى نقطة يمكن الارتقاء إليها ومشاهدة منظر المدينة العام منها. وهو في الحقيقة يشرف على معظم السطوح والساحات لمسافة طويلة من حوله. وقد استغربت حقا أن أجد كفارا مثلنا يسمح لهم بالصعود إلى ارتفاع يتفرجون منه على المسلمين. ووجدنا شيئا من الصعوبة في الصعود بسبب الظلام المخيم على السلّم وذروق الخفاش والحمام المتراكم فيها ، ذلك الحمام الذي كان يأوى بالآلاف إلى الأماكن التي تآكلت فيها الحنيات والشقوق المتكونة بتأثير العنف والزمن. ومن المعتقد أن المنارة وجامعها المتهدم يبلغ عمرهما ما يزيد على ستمئة سنة (١). ولما كنت أشك في أن يكون وصف جوامع بغداد مسليا لكم سوف أقتصر في الوقت الحاضر على أن عدد هذه العمارات المقدسة يتجاوز المئة (٢) على ما يعتقد ، أو كان قد تجاوز المئة
__________________
(١) جاء في كتاب (دليل خارطة بغداد قديما وحديثا) للدكتورين مصطفى جواد وأحمد سوسة أن الخليفة المكتفي بالله العباسي أنشأ هذا الجامع خلال المدة (٩٠٢ ـ ٩٠٨) ميلادية وسمي بجامع القصر. ثم «شيد في جامع القصر هذا في سنة ٦٧٨ ه (١٢٧٩ م) مئذنة لا تزال قائمة إلى يومنا هذا وهي تعرف بمنارة سوق الغزل .. وشيد سليمان باشا الكبير والي بغداد (١٧٧٩ ـ ١٨٠٢ م) جامعا في غرب المنارة بقي قائما إلى سنة ١٩٥٧ م ويعرف بجامع سوق الغزل ...».
(٢) لقد أورد الدكتوران في المرجع السابق قائمة تحتوي على (١٦٠) من الجوامع والمعابد والمساجد القائمة اليوم في جانبي بغداد مع التي خربت قبل عدة سنين ، ومعظمها كان قائما حينما زار صاحب الرحلة هذه البلاد على ما نحسب.