على أنه من المؤكد أن عدد النفوس قد ازداد ازديادا كبيرا في أيام داود باشا ، ولذلك فإنه على ما أعتقد لم يكن يقل قبل طاعون ١٨٣١ م عن مئة وخمسين ألف نسمة. وكان القسم الأعظم من هؤلاء أتراكا وعربا ، لكنه كان هناك أيضا عدد كبير من البغداديين الأصليين وهم يكادون أن يكونوا عنصرا خاصا يختلط فيه الدم الإيراني والهندي بالأرومات الرئيسة. ومعظم التجار الآن هم من أصل عربي ، وهناك عدد من اليهود والأرمن والنصارى التابعين للكنيستين الكاثوليكية والسريانية. ويلاحظ وجود الأكراد والإيرانيين والبدو بكثرة في الأسواق ، لكن البدو لا يودون قضاء ليلتهم ما بين الأسوار. أما القسم الأعظم من الإيرانيين ، الذين هم في الغالب من زوار العتبات في كربلاء ومشهد علي ، فيرجعون في آخر النهار إلى الكاظمية وهي قرية وعتبة مقدسة تقع على بعد أربعة أميال في الجانب الغربي من النهر ، أو يخيمون خارج أسوار المدينة ، في الجهة الشمالية منها.
ويصف المستر بكنغهام أزياء بغداد وألبستها بكونها أقل رونقا وبهاء بكثير مما هي في مصر أو القسطنطينية في ذلك الوقت. على أنني لا أستطيع الحكم على ذلك بشيء ، لكن منظر الأزياء في الوقت الحاضر أبعد من أن يكون شيئا باهرا على وجه التأكيد. وقد أكد لي الكثيرون أن هذا المظهر يختلف اختلافا غير يسير عما كان عليه في أيام داود باشا. فقد كان الباشا يحتفظ ببلاط زاهر وتأسيسات فاخرة ، كما كانت الحلل والبزات العسكرية على عهده شيئا زاهيا ومتألقا تمام التألّق. فإن الثمانمئة گرجي من أتباعه ، المتزيين بالألبسة الزاهية والمسلحين بالسلاح الفاخر ، الراكبين على الجياد العربية الأصلية ، المطهمة بالجهاز المزركش ، لا بد أن تكون قد كوّنت منظرا باهرا في عهده. وكان ضباطه ، وهم يقتدون بسيّدهم ، يتنافسون فيما بينهم من حيث فخامة العدد وكثرة الأتباع. أما الآن فلا يوجد شيء من ذلك مطلقا ، إذ تقتصر القوة العسكرية البسيطة اليوم على عدد قليل من الهايتة ، أو الخيالة الألبانيين ، المختلطين بخيالة آخرين من أهل البلاد ، التي تتزيا بالألبسة الرثة والأسلحة البسيطة. وتحتوي كذلك على مفرزة من «النظام» أو الجند النظامي الجديد ، وهذه قطعة عسكرية على آخر ما تتصوره المخيلة من عدم الانتظام ، فقد أفقدها