لباسها نصف الأوربي منظر الأتراك المهيب من دون أن يسبغ على أفرادها أناقة الجند الأوربيين ومظهرهم المهني. وليس هناك سوى مئات قليلة من هؤلاء الأبطال الشواذ ، الذين ذكرني زيهم غير المهندم ، و «الفيس» الأحمر الذي يضعونه فوق رؤوسهم ، بالمساجين الفرنسيين القدماء الذين كانوا يلبسون قبعاتهم الليلية الحمراء وسترهم المتعفنة. أما السراي ، أو قصر الباشا ، فلا ضجة فيه ولا مظهر يعتد به ، وأما الموظفون الفاسدون ذوو المستوى المنحط التابعون للرجل التعيس الذي كان يضطلع بمنصب الباشا فيقتدون بسيدهم في الرثاثة وقلة الحاشية وفي جميع الوجوه الأخرى.
غير أن الأسواق ما يزال فيها الآن شيء من الحركة واللون. لأن الأتراك والعرب معا مغرمون بالأحمر بمختلف أطيافه ودرجاته ، وبالألوان الزاهية الأخرى. يضاف إلى ذلك أن الأصباغ والزينات التطريزية ، وعمائم الشال ، والألبسة الفضفاضة ، مع الخناجر المطعمة بالفضة والمسدسات المدلاة من المحزم ، تعمل كلها على رسم صورة حية مبهجة.
على أن الركوب عبر الأسواق يعتبر عملا فيه شيء من الخطر. فهي ، على كونها تؤلف الممرات والطرق العامة في البلد ، ضيقة بحيث إنك تضطر على الدوام على التوقف فيها بسبب الخطوط الطويلة من الجمال والبغال المحملة التي يحتمل جدا أن تؤدي الأحمال الموجودة فوق ظهورها إلى كسر رأسك أو ركبتيك حسب ارتفاع الحيوان الذي تصادفه ، بينما تكون منشغلا بشق طريقك بينها وبين الأعراب الحفاة الذين يمتلىء بهم كل شارع أو زقاق. وقد ذكرتني مجموعات الحمير ، المحملة بالحطب ، بسيدة مآدب «ألف ليلة وليلة» التي عزت الجرح الموجود في خدها إلى صدمة أصابتها من إحدى القوصرات التي كان يحملها حيوان من هذه الحيوانات. فعرّضت بذلك حيوية مجتمع الحطابين كلهم إلى الخطر. وتبرهن الخروق المختلفة في سراويلي الآن أكثر من مرة على إمكانية وقوع ما جاء في تلك القصة. وكم أتمنى أن يكون بوسعي أن أقول إن دكاكين الطباخين تذكرني على الشاكلة نفسها بدكان سي مصطفى وحلوياته اللذيذة. لكن الحقيقة ان رائحة السمن الزنخ كانت منفرة جدا ، ولم تكن