دكاكين الحلواتية كذلك مغرية مثل دكاكين الحلواتية في استانبول.
ومن بين الأشياء التي تلفت نظر الغريب في بغداد الهدوء الرزين ، والجمود الذي يبدو على التاجر التركي (١) وهو يجلس فوق المنصة العالية المنصوبة بالقرب من بابه ، مدخنا شطبه في وسط الضجيج المحيط به ، كأنه لا يسمع شيئا منه ولا يملك الاهتمام الذي يجب أن يكون عند التاجر بيع ما عنده من سلع. وحينما يراجعه أحد الزبائن يعرض عليه السلعة المطلوبة ببطء وسكون وينهي المعاملة إذا تم الاتفاق على السعر ـ وإلا فيتابع تدخينه للشطب. ولو كان في مكانه تاجر إيراني لسألك دزينة من الأسئلة عما تريد ، ولعرض عليك بالتعاقب خمسين شيئا من الأشياء التي لا تحتاجها ، ولقفز من مكانه وعاد إليه عدة مرات ، خلال المدة التي يستغرقها التركي المتزمت في سحب «الچبوق» (٢) من فمه بقصد التحدث إليك. على أنه لا بد من الاعتراف هنا بأن الباعة اليهود والأرمن يعوضون بسرعتهم وطلاقة لسانهم عن تثاقل الأتراك وتكاسلهم. فإنهم مدركون نشطون في التأكد من طلبات الزبائن وتزويدهم بها.
والمزية الأخرى التي تلفت نظر الغريب في شوارع بغداد وأسواقها كثرة العرب ، من البدو وسكان المدينة ، التي ألمحت إليها من قبل. ويتألف لباسهم من قميص خشن يلبس فوقه الناس المتمكنون قفطانا (زبونا) مصنوعا من نوع من أنواع القماش الحرير أو القطن ، المخطط في الغالب. وكلهم يضع على كتفيه عباءة من شكل خاص ، فتكون عريضة من دون أردان لكنها مزودة بفتحتين تمد منهما اليدان عند الحاجة ، وتصنع من الصوف المحبوك في حياكته ، المخطط بخطوط عريضة متعامدة بيضاء اللون وبنيته ، لكنها تكون
__________________
(١) يلاحظ مما يكتبه صاحب هذه الرحلة أنه يعتبر الكثيرين من سكان المدن في العراق أتراكا ويقتصر في الغالب على تسمية أهل الريف والبدو (الأعراب) بالعرب. وأعتقد أن القارئ المدرك يمكن أن يكتشف ذلك بسهولة.
(٢) الجبوق كلمة تركية بمعنى الشطب وجمعه شطوب وهو عود يحفر بسفود محمى ليدخن به.