حصلت على هذه المعلومات من باشا المدينتين المقدستين الذي أكد لي أنه رأى الأمور بعينه ؛ وأقرّ أن ذلك ليس ضمانة صدق ، أو دقة. وليس هناك في الشرق ما هو أصعب من الحصول من أي كان ، وحول أي موضوع كان ، على معلومات ، وإن كانت إيجابية. وينبغي أن يسيطر الحس النقدي على أكثر الأقوال تأكيدا لمراقبتها. وتكمن الصعوبة في أبسط الأشياء ؛ فأنا على سبيل المثال أتحدى إن كان بالإمكان أن يعرف على وجه الدقة مقدار المسافة التي تفصل بين المكانين ، وكلما طرحت على الريس سؤالا من هذا النوع فإنه يصرخ في الإجابة قائلا : «إن الله مع الصابرين». لم ننزل إلى اليابسة أبدا في الأيام الثلاثة التالية وهي ٣ ، و ٤ ، و ٥ فبراير (شباط) ، وكنا على مسافة بعيدة عن الشاطىء حتى إننا لم نكن نراه في بعض / ١٠٢ / الأحيان.
كنا في الليل نتوقف في وسط البحر ، وكان الجو في الأيام الثلاثة المذكورة رائعا ؛ لم يكن في السماء أي سحاب ، وكان البحر خفيف الموج ، ولم يكن هناك هواء إلّا ما يكفي لنشر أشرعتنا. وبعد أن كنّا قد تعرضنا لهزات عنيفة أصبحنا الآن نتحرك بلطف وكأننا في المهد.
كنت مستلقيا في مؤخرة المركب على سجادة غطينا بها الكوثل ، وكان هناك سجادة أخرى نصبت فوق رأسي تحميني من الشمس التي كانت شديدة الحرارة في هذا الفصل. كنت أقضي الوقت ، وأنا أحلم ، وأتأمل ، وأستنشق النسيم البحري ، وأنتشي بهذه السماء ، وبهذا البحر الرائع ، ومرت ساعات العبور الطويلة بسرعة ودون ملل. كان الساحل الإفريقي قد غاب عن الأنظار منذ فترة طويلة ، ولكن ساحل الجزيرة العربية أصبح ظاهرا للعيان منذ اليوم الأول ، كان محاطا بسلسلة من الجبال الحمراء التي كانت نتوءاتها الطويلة وقممها المسنونة تلفت النظر بتنوع أشكالها ، وكانت منذ طلوع الشمس حتى
__________________
ـ سورة الشمس حيث قال تعالى : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (١١) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (١٢) فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها (١٣) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها (١٤) وَلا يَخافُ عُقْباها) (١٥).