وقائع مادية وملموسة. لقد سمعت من ينسب صفة الأحمر إلى قبيلة عربية تعيش على سواحله وتحمل هذه الصفة نفسها. ولكن ذلك قول فيه بعض العشوائية ؛ لأن تلك القبيلة لم تعد موجودة ، وربما لم تكن موجودة في يوم من الأيام : ولكن إذا افترضنا أنها وجدت في يوم من الأيام فإن ما ينبغي معرفته إن كانت هي التي أعطت البحر اسمها ، ولماذا لا يكون البحر هو الذي أعطاها اسمه.
وما دام الحديث عن الاشتقاق يجر بعضه بعضا فإنني أقدم اشتقاقا ، ولا أدّعي أنه الصحيح ، ولكنّه الاشتقاق الذي أراه صوابا. تسمي العرب جهنم الدار الحمراء ، وإن لهذه الصفة لديهم على الدوام دلالة شؤم ؛ فهل من المستحيل إذا أن يكونوا قد أطلقوا على هذا البحر المهلك بسبب أخطاره المحدقة ، وأحداثه الفظيعة اسما يقترن بالرعب الذي يلقيه في نفوسهم؟
توقفنا في الليلة الأولى بين دكتين من / ١٠٤ / الصخر تظهران على وجه الماء ، وهما ملجأ ممتاز للاحتماء من المد البحري ؛ لأن الموج يأتي ليتحول إلى زبد في كلا الجانبين ، في حين أن الوسط يبقى هادئا تماما. يسمّى هذا المكان «أبو حرير» (١) : ليس بالأمر السهل أن نكتب بالأحرف الفرنسية الأصوات الحلقية العربية ، وخصوصا عند ما لا نكون قد رأيناها قط مكتوبة. رسونا في الليلة التالية لنحتمي بجزيرتين تفصلهما قناة ضيقة تسمى الأولى لبانة والأخرى جبل حسّان (٢) ، وتسكن الجزيرتين في أيام الرعي قبيلة جهينة العربية
__________________
(١) في الأصل Bou Kharid ثم يصحح المؤلف فيقول والأصح Abouharir. وانظر : الترجمة الإنكليزية لرحلة ديدييه ، موثق سابقا ، ص ٥٠.
(٢) لبانة جزيرة في البحر الأحمر مقابل مدينة أم لج تقع على مسافة كيلومترين غرب جزيرة الحساني وعلى الطرف الغربي للشط الصخري ، ويبلغ ارتفاعها عن سطح البحر ٧٦ م ، تمتلىء المياه حولها بالشعاب المرجانية والصخور الغاطسة. انظر : جزر البحر الأحمر (الملف العلمي) مجموعة من المؤلفين ، موثق سابقا ، ص ٧٠٩.
وقد كتبها ديدييه Libna ، والصواب Libana. أما حسان : بفتح الحاء والسين المشدة المفتوحة فألف ونون. فقال البلادي في معجم معالم الحجاز هو : جبل في البحر ـ