عابىء بوجودها. إن هؤلاء الرجال الذين يفرطون في الفزع خلال المد ، تجدهم هنا وقد ملئوا حزما يكاد يصل حد التهور ؛ إنها أمكنتهم المفضلة ، وإن العادة (الروتين) توجههم توجيها أدق من أي خارطة.
لقد أصيب الريس عشية وصولنا إلى ينبع بحمى مقلعة لم يستطع التخلص منها ، وظلت تقض مضجعه حتى جدة. / ١١٧ / كان عند ما تحل به نوبة الحمى يظل مستلقيا على سجادته مرتعشا ، مرسلا تأوهات محزنة ، وعند ما كانت تمضي النوبة ، كان يتناول من جديد شيشته وأعماله. وكان هذا التوالي يحدث عدة مرات في اليوم. لقد حاول رفيق رحلتي ، الذي كان يحمل معه صيدلية تجانسية (١) Homopatique أن يجرب عليه موهبته الطبية البسيطة ، ولكنه لم ينجح في التخفيف عنه ، وظلت الحمى تفعل فعلها.
كان اسم الريس خليل سلام ، وكان رجلا محببا جدا ، مفضالا ، ومؤدبا ، كما ثبت لنا خلال الفترة الماضية ، وكان على الدوام يسعى لإرضائنا ، كان كوستا المتبصر قد وضع في العقد شرطا ينص على أن الرحلة ينبغي ، مهما كانت الظروف ، أن تكون ممتعة لنا ، وأن على القبطان أن يجعلها كذلك لنا. ولم أر أبدا أن أحدا استطاع الوفاء بالتزامه كما حصل هنا ، لقد تم تنفيذ العهد بدقة من جميع جوانبه ، وهذا شيء نادر الحدوث في أوروبا. لم يكن لدي أدنى ملاحظة يمكن توجيهها ، وأقل من ذلك أيضا المآخذ التي يمكن أن آخذها على خليل سلام إبان كل الفترة التي قضيتها على متن السفينة. وأشك أن يكون هناك في أي ميناء غربي كثير من القباطنة يتمتعون بمثل هذه الدقة ولين الجانب. لم يكن يرتدي في البحر ، شأنه شأن بقية البحارة ، إلا قميصا من القطن ، ولكنه عند النزول إلى اليابسة ، كان يلبس ثيابا جميلة من الحرير ، وكان له حينئذ حقيقة هيئة الوجهاء. / ١١٨ / كان الساحل لا يزال محاطا بجبال عالية ، وكان أكثرها ظهورا لنا (٢) صبح ،
__________________
(١) نسبة إلى الطب التجانسي الذي يقوم على مداواة الداء بالداء. (عن المنهل).
(٢) كذا في الأصل Loubeh ولعل صوابهاSoubeh صبح (جبل) وهو منطقة قبيلة صبح القوية المتفرعة من قبيلة حرب. قال بوركهارت : ... وتوجد هنا بشكل رئيسي ـ