والمدينة محاطة من الجهة الأخرى بسور سميك ، مرتفع بما يكفي ، مصان صيانة جيدة ، مسبوق بحفرة عميقة ، وعليه أبراج في حالة جيدة. إن هذا المعقل لا يصمد ساعة أمام قصف المدفعية الأوروبية ، ولكنه على الدوام كان كافيا إبّان الحروب التي تدور في البلد ، وخصوصا إبّان حرب الوهابيين ، لحماية المدينة ولفرض هيبتها لذلك اشتهرت بأنها مدينة مستعصية على الاحتلال ، وبأنها أكثر الأمكنة تحصينا في الحجاز. يوجد في هذا السور ثلاثة أبواب ، باب اليمن من الجنوب ، وباب المدينة المنورة في الشمال ، وأخيرا باب مكة المكرمة في الشرق ، وهو أجملها ، ويقوم على حراسته برجان منخفضان منحوتان بمهارة فائقة في الذروة. تبتعد جدة عن مكة المكرمة مدة ١٥ أو ١٦ ساعة ، ويبلغ عدد سكانها من ١٥ إلى ٢٠ ألف نسمة. وتنقسم إلى قسمين كبيرين ، حي اليمن ، وحي الشام ، وهما مسميان بذلك بسبب وضعهما الجغرافي : فحي الشام يقع في الشمال على الطريق إلى سوريا ؛ وحي اليمن في الجنوب / ١٢٣ / على الطريق إلى اليمن أحد أقاليم الجزيرة العربية الذي يعطي اسمه الحي المذكور. هناك أقسام أخرى صغيرة تسكنها جماعات من السكان متمايزة ، يقع بينها غالبا من حي إلى آخر شجارات عنيفة ، شوارعها عريضة ، نظيفة نظافة مقبولة ، تبدأ عادة بساحات واسعة جيدة التهوية تشكل رئتي المدينة. أما بيوتها فهي متينة البنيان ، وتتألف من عدة طوابق ، وأبوابها على شكل أقواس ، وهي مبنية من الحجر ، ولها مظهر جميل ، ونوافذ واسعة تطل على الخارج ، وهذا شيء نادر في البلاد الإسلامية لأن الحياة المنزلية تتم على الدوام داخل البيت الذي يبنى بطريقة لا تدع شيئا يتسلل إلى الداخل ؛ لا ضوء النهار ، ولا الهواء ، ولا الضوضاء ، ولا الأنظار الفضولية. ليس لتلك النوافذ زجاج ، بل إن كل فتحاتها مغطاة بشبك من الخشب المفترض بمهارة عجيبة ، ليسمح بالرؤية من الداخل دون أن يتمكن من في الخارج من رؤية من في الداخل. إن تلك النوافذ المتقنة الصنع ، البارزة والمقوسة ، كأنها مشربيات القاهرة أو شرفاتها ، مطلية بألوان زاهية تتباين مع اللون الأبيض للجدران. وإن كثيرا من السطوح محاطة بحواجز مفرغة محفور فيها بأناقة