لقد ظل سرور حتى نهاية حياته ، يتمتع بشعبية يستحقها ، بفضل ما كان يتمتع به من مزايا انفرد بها : كان في غاية الاعتدال ، وكان يعيش ببساطة شأنه شأن أي إنسان عادي. كان من الشجعان المجربين ، وكان كريما يعطي بلا حدود ، وكان يعدل بين الناس دون / ١٧٣ / تمييز ، وبحكمة صارت مضرب الأمثال. ومع أنه كان قاسيا في أفعاله خلال فترة حكمه ، فإنه كان كريما حتى مع أعدائه الشخصيين : يقال إنه اكتشف مرة مؤامرة لاغتياله في أثناء طوافه الليلي في شوارع مكة المكرمة ؛ فاكتفى بنفي المتآمرين. لقد نظّم النواحي المالية ، وألغى كل الضرائب العشوائية. وكان يموّل من حسابه الخاص حامية كثيرة العدد مؤلفة من البدو والعبيد الأفارقة أو الأحباش الذين كانوا يعملون باستمرار في خدمته. وأقصى اليهود عن جدة بعد أن أصبحوا مكروهين بسبب غشهم وخداعهم ، ولقد خلف موته حزنا شاملا ؛ إذ شيعته مكة المكرمة كلها إلى مثواه الأخير ، وما زال أهلها يجلّون ذكراه ، وكأنه أحد أولياء الله الصالحين (١).
ظل سرور في الحكم أربع عشرة سنة. ومع أنّه خلّف ولدين ؛ كلاهما يصلح لخلافته ، كان أحدهما ، عبد الله ، شجاعا حتى التهور ، فإن أحد أعمامه عبد المعين استولى على السلطة ، ولكنه فقدها في غضون بضعة أيام ، واستولى عليها غالب ؛ وهو أخ آخر لسرور ، أصغر من عبد المعين ، كان منذ زمن طويل يتمتع بشعبية كبيرة بسبب ما عرف عنه من شجاعة ، وقدرة على الإقناع ، وأساليب مغرية. كان ضخما ، وكان له على غير عادة العرب شهية متناسبة مع قامته : فقد كان يشرب كل صباح في فطوره دلوا من الحليب ؛ / ١٧٤ / ولم يكن يشعر بالرهبة أمام خروف كامل. كان ذا صوت جهوري ، وبارعا في ألعاب القوة الجسدية ، حتى إنه كان يقذف الجريدة بمهارة وقوة قلّ نظيرهما.
وكان يعد من ذوي المعرفة ، وله معرفة بالطب ، ولكن ذلك كله لم يرفع من شأنه لدى البدو. وقد أكد لي الأشخاص الذين عرفوه ، أنهم لم يروا أبدا هيئة
__________________
ـ سابقا ، ج ١ ، ص ٢٥١.
(١) انظر : رحلات بوركهارت ... ، موثق سابقا ، ص ٢٠٥.