فقد كانوا يتقلدون الرماح : ولم يكن هناك أي نظام تتبعه تلك القوات التي يتم تشكيلها بطريقة ارتجالية. وعند ما تنتهي الحملة العسكرية يأوي كل واحد / ١٧٧ / إلى خيمته ، ويظل هناك حتى حصول حملة جديدة. من المفترض أن للشريف ـ الأمير سلطة على كل القبائل المنتشرة في صحراء الحجاز ؛ ولكنه لا يمارس على تلك القبائل إلا سلطة أدبية ، مع أنها تعد خاضعة لسلطته ، وليس لذلك أي قانون محدد. ولمّا كان بين القبائل منافسات مستمرة ، فإن الشريف ـ الأمير كان يستخدم هذا الأمر للحفاظ على سلطته ، مستفيدا من خلافاتهم ، وداعما بالتناوب ، وحسب المصلحة في تلك الفترة ، هذه القبيلة أو تلك.
لقد كانت سياسة الأشراف على الدوام تقوم على مداهنة البدو لكسب ودهم ؛ إنه الحكم البطريركي بالمعنى الحقيقي للكلمة ، كما كان سائدا في المجتمعات البدائية.
لم يخرج غالب عن هذا التقليد ، واتخذ من هذه السياسة أساسا لحكمه. لقد نشأ بين البدو ، شأنه شأن أبناء الأشراف كلهم ، وكان يبدي اهتماما فائقا بأسرته التي نشأ عندها ، وكان يعاملهم على رؤوس الأشهاد ، باحترام فائق. وكان البدو جميعا ، كائنا من كانوا ، يجدون منه استقبالا لطيفا ؛ وكانوا ينزلون في قصره كما ينزلون في الفندق أو الخان ، يسكنون ، ويأكلون ، ويعيشون على هواهم ، وعند ما يعزمون على مغادرة منزله ، كان يأمر بأن تملأ غراراتهم بالمؤن اللازمة للعودة. / ١٧٨ / كان حكم غالب معتدلا وشموليا ؛ ولم تكن له قسوة سرور ، ولكنه لم يكن يدانيه في إقامة العدل. لقد كان غالب بطبعه معتدلا ، وكان يتجاوز بسهولة عن الأخطاء ، ولم يكن يضطهد أحدا ، حتى أعداءه المعلنين الذين كانوا يقيمون بسلام في مكة المكرمة دون أن يزعجهم بشيء. ولم يكن يتورع عن ابتزاز أموال أهل مكة ، إلّا أنه كان يحفظ عليهم أنفتهم التي لم تكن أمرا هينا ؛ وكانت إهاناته تنصب على الجماعة ، ونادرا على الأفراد. كانت عامة الشعب تتمتع بحرية تصل في غالب الأحيان حد الفوضى ، وحتى إن المشاجرات بالعصي بين الأحياء كانت تستمر عدة أسابيع دون أن تتدخل الشرطة. لقد كان غالب ، على الرغم مما يقوم به من ابتزاز ،