المشاعر يختلف كل الاختلاف عن المادية الفظة التي ينغمس الأتراك فيها. إن ما يميز الوهابية ، ويوضح مبادئها الحقيقية كما يبدو ذلك في الكتب الأساسية التي تشرحها ، يقوم على عدم الاهتمام بالمظاهر الخارجية ، ونبذ الممارسات الخرافية كلها. وقد كان النبي صلىاللهعليهوسلم نفسه قد أحس بخطر الخرافات على شعب يمتلك مخيلة خصبة ، وبارع في / ١٨٤ / بث الحياة في كل شيء ؛ لذلك حرّم عليهم تحريما قاطعا كل أنواع الصور ، خوفا من أن تكون بابا يمرون منه إلى الشرك. ولم يأت الوهابيون في هذا المجال ، وفي كل المجالات الأخرى بجديد إلّا أنهم التزموا بأفكار النبي صلىاللهعليهوسلم وتوجيهاته الجلية ؛ ولهذا السبب كانوا يهدمون القباب المقامة على أضرحة الأولياء بحماسة فائقة ، ويقولون : إن القبة هي من ميزات المعابد ؛ وإن تقديس أي إنسان ، مهما كان قدره وكراماته ، يوقع في المحرمات ، والقدسية ميزة انفرد بها الله تعالى وحده.
كان سعود يسكن الدرعية مع عائلته الكبيرة جدا ، والمتماسكة ، وكان من هناك يحكم القبائل الخاضعة لسلطته. لقد كانت سلطته تشبه بكثير من الاعتبارات سلطة الشريف ـ الأمير في مكة المكرمة إلّا أنها كانت سواء في جانبها الدنيوي أم الروحي ، أكثر متانة وحزما ومهابة. كان بهي الطلعة ، ذا صوت رخيم مما جعل العرب يقولون إن كلماته كلها تصل إلى القلب. كان متوافقا مع مذهبه ، يطبق كل مبادئه. وكان هو وعائلته وأتباعه يلبسون عباءات بسيطة من الصوف لا يدخل في حياكتها أي خيط حرير ، كان مثالا يحتذى في إيتاء الفضائل ، ولم يكن يسمح لأي امرأة من أسرته أن تلبس أي قطعة من حليّ ، مهما صغرت ، وكان أتباعه يفعلون مثل ذلك التزاما / ١٨٥ / بنص القرآن الكريم (١). وكان في كل مساء يقيم الصلاة في أهل بيته ، كما تفعل كثير من العائلات البروتستانتية في أوروبا. وكانت الخيل أعظم متعة يروّح بها عن
__________________
(١) هذه العبارة ليست صحيحة لا شرعا ولا تاريخيا ، إذ لم يمنع القرآن الكريم النساء من لبس الحلي ، وإنما منع التبرج بها لغير المحرم ، كما أن الإمام سعود وغيره من قادة الدولة السعودية وعلمائها لم يمنعوا نساءهم ولا نساء غيرهم من لبس الحلي ، ولم يمتنعوا إلا عن لبس الحرير والذهب للرجال فقط.