المكان المقدس. ثم نصب له محمد علي في نهاية الأمر فخا متقنا ، ومدبرا بإحكام فوقع فيه غالب ، وتمّ أسره مع مراعاة المظاهر الخادعة ، واكتفى بعد ذلك بالقول باحتقار : «لو أنني كنت خائنا لما حدث ذلك أبدا». ثم نفاه السلطان إلى سالونيك ، وقد مات فيها متأثرا بالطاعون في صيف عام ١٨١٦ م.
وانتهت بموته حكومة الأشراف. وكل الأشراف ـ الأمراء الذين جاؤوا بعد غالب ، عينهم الباب العالي ، واكتفوا بالمرتب الشهري المحدد الذي كان يدفعه الباب العالي. وأصبح شأنهم شأن موظفي الإمبراطورية العثمانية كلهم ، فهم لا يتمتعون إلا باستقلال شكلي ، وبسلطة اسمية. وقد كانوا يعاملون على الدوام كما يعامل شيوخ قبائل الحجاز ، كانوا يختارون من قدماء الأسرة الحاكمة ؛ ولكنهم لم يكونوا في الحقيقة إلّا موظفين لدى الحكومة التي تعينهم وتدفع رواتبهم ، شأنهم شأن الوزراء والباشاوات. وكان يحيى أول الأشراف الذين عينهم محمد علي ، ويحيى أحد أقارب غالب ، ولا يتمتع بأية موهبة ، وهو مناسب تماما لما يريده محمد علي.
لقد كان الباشا يريد أن يزيل النفوذ العريق والتقليدي لأحفاد النبي صلىاللهعليهوسلم من جذوره ؛ فنفى ثلاث مئة منهم إلى مصر ، ولم يترك للآخرين إلا أعمالا ثانوية / ١٩٦ / مثل أن يكونوا على سبيل المثال ، أدلاء في جيشه. أثار سجن غالب والغدر الذي كان ضحيته استنكار العرب كلهم ضد الأتراك. وقد بدا المكّيون أنفسهم محزونين لذلك. ولم يكن الوهابيون أبدا ليقوموا بمثل هذه الأعمال الدنيئة ، لقد كانوا عاجزين عن ذلك ، ولمّا كانت أية مقارنة بينهم وبين الأتراك ستكون لصالحهم بالتأكيد ، فإنهم قد نالوا الحظوة الشعبية لأنفسهم.
لقد دفع محمد علي ثمن غدره عددا من الهزائم التي كادت تودي بحياته ؛ أولها كانت الهزيمة الساحقة في تربة حيث انتصر الوهابيون على صفوة قواته التي كان يقودها ولده طوسون ، وهزم تلك القوات شر هزيمة عرب البقوم ، الذين يعمل بعضهم في الزراعة ، وبعضهم الآخر في الرعي ، تقودهم أو تلهمهم على الأقل امرأة اسمها : غالية (١).
__________________
(١) انظر : رحلة بيرتون إلى مصر والحجاز ، موثق سابقا ، ج ٢ ، ص ٢١٠.