صهر الشريف غالب الذي كان يكرهه ، ولم يجد حرجا من أن يعد بمكافأة لمن يقتله أو يأسره. وقد تمّ تسليم المضايفي لغالب غدرا ، فبادر مسرعا في نشوة النصر بإرساله إلى استانبول حيث تم قطع رأس العربي المقدام. وكان غالب الذي أرضى حقده ، يأمل في أن يرضي الأتراك بذلك. لقد كان ذلك جهلا بطبائعهم ، ولم يدم وهمه إلّا قليلا. لقد ذهب إلى جدة لاستقبال محمد علي عند وصوله إلى الحجاز ، وعادا معا إلى مكة المكرمة ، وتعاهدا رسميا على القرآن في المسجد الحرام ألا يحاول أحدهما القيام بأي شيء يعارض مصلحة الآخر ، وأن يعيشا متحدين. ولقد كان باشا مصر ، على عادة الأتراك المستأصلة فيه ، يفكر ، وهو يقر بذلك العهد ، في أن يخرقه. أما الشريف فقد كان على العكس يحرص على الوفاء بعهده ، ولا يمكن حتى لألد أعدائه أن يتهمه بأي ميل لخرق ذلك العهد. ذلك هو الفارق بين العرقين : العربي يحترم العهود التي يبرمها ، أمّا التركي فلا يحترم أي شيء.
كان الشريف يقيم في مكة المكرمة في قصر محصّن تحصينا منيعا ، تدافع عنه حامية مؤلفة من ٨٠٠ رجل ، ومدفعيون ، مما يجعل السيطرة عليه مستحيلة. ولمّا لم يكن محمد علي يستطيع ، مفاجأته أو القبض عليه في وسط الحاشية الكبيرة التي كانت ترافقه على الدوام عند خروجه ، فإنه دبر له / ١٩٥ / كل أنواع المكائد التي لم تجد في البداية أي نجاح. وقد كان ينوي القبض عليه ، ولو كان ذلك في المسجد الحرام ، لو لا أن القاضي أمر باحترام حرمة
__________________
ـ في السنة نفسها باسترداد الطائف هرب عثمان ، ثم قبض عليه بعد ذلك بدو عتيبة وسلموه للشريف ، ثم أرسله طوسون باشا أسيرا إلى مصر ، ومنها إلى إستانبول وقتل هناك. انظر : عنوان المجد في تاريخ نجد ، تحقيق عبد الرحمن بن عبد اللطيف ، الرياض دارة الملك عبد العزيز ، ط ٤ ، ١٤٠٢ ه / ١٩٨٢ م ، ص ١ / ٢٠٩ ، ٢٦٠ ، ٣٣٤ ـ ٣٣٥. عن حاشية مترجمي رحلات بوركهارت ، موثق سابقا ، ص ٦٨. وانظر كتاب : عثمان بن عبد الرحمن المضايفي أمير الطائف والحجاز في الدولة السعودية الأولى ، تأليف د. إبراهيم بن محمد الزيد ، إصدار لجنة المطبوعات في التنشيط السياحي ، محافظة الطائف ، ط ١ ، ١٤٨١ / ١٩٩٧.