شرس سفك من قبل دماء المصريين ، وكان يفخر / ١٩٣ / قائلا : «إن عدد من سيموتون تحت عصي جلاده يفوق عدد الرجال الذين يولدون في أسرته ، لو أن كل واحدة من زوجاته ولدت في كل يوم مولودا ذكرا» (١). وإن ذكريات وحشيتهم وخداعهم لا زالت ماثلة في أذهان العرب بعد أربعين سنة. لقد أخطأ الوهابيون إبّان تلك الحملة كلها عند ما استهانوا كثيرا بأعدائهم ، ولم يواجهوهم بالقوة المطلوبة ، ونتج عن ذلك أنهم أجبروا على ترك الحجاز ، وعلى العودة إلى حدودهم الأولى.
وقد عين الباب العالي طوسون بيك باشا جدة ، وقدم والده بشخصه من القاهرة إلى مكة المكرمة في عام ١٨١٤ ليجني ثمار الانتصارات التي لم يحققها بنفسه.
أمّا الشريف غالب فإنه كان يصرّف شؤونه بكثير من الحذر والبراعة الفائقة ؛ حتى إنه استطاع المحافظة على سلطته في هذه الظروف الفظيعة. لقد كان ينقل ولاءه بين الأتراك أو الوهابيين حسب المصلحة الآنية ، أو حسب حظوظ العدوين في النصر ، لقد كان يراعي الخصمين ، متجنبا توريط نفسه بالقيام بأي إجراء ذي دلالة مفرطة ، مؤمنا لنفسه في كل الظروف مخرجا. لقد تمثلت سياسته في التذبذب ، وفي التهدئة ، أملا في رؤية أحد العدوين اللذين يخشاهما بالتساوي يضعف أحدهما الآخر ، كان يجد خلاصه في الكره الذي يكنه أحدهما للآخر. وعند ما ظهر أن النصر سيكون نهائيا بجانب العثمانيين ، ضم قواته إلى قواتهم ، وحضر بنفسه معركة الاستيلاء على الطائف. وقد كان أبرز زعماء / ١٩٤ / الوهابيين وأكثرهم توفيقا في تلك الحرب هو المضايفي (٢)
__________________
(١) انظر : مواد ... ، موثق سابقا ، ص ١٢٤ ـ ١٢٥.
(٢) عثمان بن عبد الرحمن المضايفي من قبيلة عدوان المشهورة بالطائف. كان صهرا للشريف غالب تزوج أخته ، وكان أكبر أعوانه وقادة جيشه ، ثم اختلف معه وانضم إلى الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود وولاه الإمام عبد العزيز على الجيش المكلف بالاستيلاء على الطائف ، ونجح عثمان في الاستيلاء عليها سنة ١٢١٧ ه / ١٨٠٣ م وأصبح أميرا عليها وعلى المناطق التابعة لها. وعند ما نجح الشريف غالب ـ