التي تذكر بأخلاق المرابطين في أوروبا الشمالية.
ونستطيع بعد ذلك القول : إن الحكومتين الحقيقيتين المستقلتين في الجزيرة العربية ، زالتا الواحدة تلو الأخرى ، بل الواحدة بيد الأخرى ، الوهابيون والأشراف : فالأولى لم تعد إلّا دعوة ، والثانية لم تعد إلّا سرابا. ولم يكن صعبا على الباب العالي أن يستغل تنافسهما ، وأن يبسط سلطته على أنقاضهما. فلو أن أميري مكة المكرمة والدرعية تحالفا بصدق وصراحة ضد عدوهما المشترك ، واتفقا على تسوية مصالحهما الخاصة بعد ذلك ، ولم يكونا متفرقين ، كما فعلا ، في بداية الحرب ، لما استطاع الأتراك أبدا أن يطؤوا أرض الحجاز ، بل لو أنهما بادرا بالقيام ببعض الخطوات ، لما خرج أحد من الأتراك من الحجاز حيا. لو حصل ذلك لكانت الجزيرة العربية مستقلة اليوم ، / ٢٠٤ / ولتخلصت ، وإلى الأبد ، من الطاعون التركي ؛ إن أضاعتهم تلك الفرصة المناسبة يقتضي أن تبدأ من جديد عملية تخليص الجزيرة العربية من الأتراك ، بما يتطلبه ذلك من تضحيات جديدة. وإن الخطأ الرئيسي كان ما قام به غالب الذي لم يكن عليه ، حرصا على مصلحته الخاصة ، أن يتواطأ مع الأجانب ، ولا أن يساعدهم في تنفيذ مخططاتهم. لقد أخل في ذلك الظرف بالحنكة التي كانت أعماله حتى ذلك الوقت تدل على تمتعه بها ، ويحق لنا أن نعجب من ذلك ، لأنه في الحق لم يكن الإنسان بحاجة إلى كثير من الحكمة النافذة ليتوقع النتائج النهائية لتصرفه الغامض ، وغير الحكيم. لقد خسر كل شيء في سعيه لإنقاذ كل شيء ، لقد أسقط بسقوطه العقبة الوحيدة (١) التي كانت تستطيع بمساعدته وقف عدو وطنه ، والحفاظ على وطنيته.
__________________
(١) يقصد الدولة السعودية الأولى.