لقد كانت النهاية التي آل إليها هذا المشهد فظيعة. أرسل عبد الله إلى القاهرة ، ومعه حاشية كبيرة ، ومن القاهرة إلى إستانبول ، وقد عرف عبد الله هناك عفو محمود الذي كان حينئذ السلطان. لقد طيف بعبد الله إبّان يومين في كل شوارع المدينة ، وفي اليوم الثالث تم قطع رأسه في ساحة القديسة ـ صوفيا ، وتركت جثته للدهماء لكي تروي غليل تطرفها ، وتبلغ ثأرها من جثمانه الذي يبعث على الحزن.
لقد حدث هذا الحدث الفاحش والمقيت في نهاية عام ١٨١٨ م. أما أسرة عبد الله فقد بقيت في مصر ، ونشأ أولاده ، كما ذكرت سابقا ، في رعاية محمد علي. ولم ينهض الوهابيون أبدا من كبوتهم التي أدت إلى خراب عاصمتهم ، وأسقطت حكومتهم. ولكن ، وإن لم يعد لهم نفوذ سياسي ، ولم يعودوا قوة مستقلة ، فإن عددهم ظل كثيرا في الجزيرة العربية ، وخصوصا في الجنوب حتى حدود مسقط ؛ ويكادون يسيطرون وحدهم على صحراء نعمان الشاسعة الواقعة على مسيرة خمسين يوما من مكة المكرمة / ٢٠٣ / وقد كانوا يدفعون ، أو ينبغي عليهم أن يدفعوا ، ضريبة سنوية قدرها عشرة آلاف تلري Talaris. لقد كانوا على الدوام يدينون بالطاعة لزعيم هو أحد أفراد الأسرة السعودية ، وآخر من علمت به من زعمائهم هو فيصل (١) ، قريب خالد بك ، ابن أو حفيد لفيصل (٢) الذي كان يقود الوهابيين في يوم بسل المشؤوم. وهاجرت بعض الأسر الوهابية إلى سواحل بلاد البربر ، ما زالوا حتى اليوم ، وخصوصا في ناحية طرابلس ، يشكلون تجمعات محترمة لصرامة طباعها (٣) ،
__________________
(١) فيصل بن تركي الذي امتدت فترة حكمة الأولى من سنة ١٨٣٤ م إلى سنة ١٨٣٨ م / ١٢٥٠ ـ ١٢٥٤ ه ، والثانية من ١٨٤٣ م ـ ١٨٦٥ م / ١٢٥٩ ه ـ ١٢٨٢ ه.
(٢) فيصل هذا الذي يشير إليه المؤلف هو فيصل بن سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود أخو عبد الله بن سعود آخر أئمة الدولة السعودية الأولى ، وهو ابن عم لفيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود الذي أشار إليه المؤلف بأنه آخر من عرفه من زعماء آل سعود.
(٣) ليس في المصادر أي إشارة إلى هجرة تلك الأسر النجدية إلى نواحي طرابلس الغرب.