(عثمان أغا) للشريف الأكبر ، فقد كان حامد يخشى أن يتعرض هو نفسه أو نحن لبعض الشتائم من الباشي بوزوق. ولكن الحركة التي فرضها الحذر عليه تمّ تنفيذها فجاءة وكادت تكون قاضية بالنسبة إليّ ؛ لأنني لو لم تتوافر لي الفرصة لاعتياد ركوب الهجان إبّان رحلة سيناء لكنت انطرحت على الأرض. وصلنا نخبّ إلى مقهى حدّة أكبر المقاهي الأحد عشر كلها ، وتقع تقريبا في منتصف الطريق بين جدة ومكة المكرمة. ويتألف مقهى حدّة من / ٢١٢ / سقيفة من أغصان الأشجار يحيط بها عدد من السقائف الصغيرة ، وكل ذلك يتشرف بوجود مسجد في الجوار. نجد في هذه المقاهي حليبا وأرزا ، بل إننا وجدنا خروفا قدمناه هدية للرجال الذين يرافقوننا فأتوا عليه بسرعة كبيرة. كان الحر شديدا ، فجلسنا في ظل السقائف نستريح بضع ساعات ، ولم ننطلق إلّا بعد العصر. كنا حتى الآن نسير بخط مستقيم نحو الشرق باتجاه مكة المكرمة التي كنا نسير على طريقها ، ثم غادرنا الطريق فجأة ، وانحرفنا نحو الجنوب لنتفادى المرور في المدينة المقدسة ، لأنه محظور على غير المسلمين ليس دخولها فقط ، وإنما رؤيتها ولو من بعيد. إذا ، كان ينبغي الالتفاف بمهارة حتى لا نسترق النظر إليها ، ونحن نعلم أن الحظر يشمل المدينة المنورة أيضا ، بل هو في المدينة المنورة أشد صرامة لأن أهلها أكثر تعصبا وشدة. ولا زال الناس يتحدثون بسخط عن ذلك الطبيب الإيطالي الذي قضى فيها أيام حرب محمد علي والوهابيين أربعة أشهر كاملة بحماية خاصة من محمد علي. لقد أقيمت حول مكة المكرمة أعلام بين كل مسافة وأخرى لتحديد حدود الأرض المقدسة والمحرمة على غير المسلمين ، وحيث لا يجوز أيضا إراقة دم الإنسان أو الحيوان ؛ فالصيد محرم فيها ، ولا يمكن أن نذبح ديكا. إن التعاليم بهذا الخصوص صارمة ، ولم / ٢١٣ / يتركونا نلمح تلك الأعلام الخطرة خوفا من أن تمتد النظرة العابرة إلى أبعد من ذلك. إلّا أنه لم يكن بالإمكان أن يخفى عنا جبل النور (١) ، وهو مخروط
__________________
(١) يقع إلى الشمال الشرقي من مكة المكرمة وفيه غار حراء الذي كان النبي صلىاللهعليهوسلم يتعبد فيه ، وفيه أوحي إليه ، وكان قبل الإسلام يسمى جبل حراء. انظر : رحلات ـ