تناول قطعة من البطيخ الأحمر ، وهذا في رأيهم أمر إن فعلناه فلا نتجاوزه بسلام. ولئن كان ذلك السبب الحقيقي لما أصابني أم لا ، لقد شفيت خلال الليل ، وفي الصباح لم يعد لمظاهر الحمى أي وجود.
ولمّا لم تكن الهجن تحمل إلّا راكبيها فإنها سرعان ما أصبحت جاهزة للانطلاق ، ولمّا أشرقت الشمس وجدتنا منطلقين. كان منظر القافلة في غاية الروعة. كان أحمد رئيس الجمّالة على رأس القافلة ، وهو يركب هجانا رائعا. ثم يأتي بعده الشريف حامد الذي كان يتسلح بالمترك ؛ وهو عبارة عن قضيب قصير معقوف يستخدمه العرب لتوجيه الجمل من على الرحل. وكان الأشراف وحدهم الذين يباح لهم في الماضي حمله. كنت إلى جانب الشريف أتجاذب معه أطراف الحديث بوساطة السيد دوكيه الذي كان ينقل إليه تساؤلاتي ويترجم لي أجوبته. وكان أصحابنا يتبعوننا على جمالهم ، وكان رجال المرافقة يسيرون على أقدامهم سواء كانوا مستطلعين أم مناوشين ، / ٢١١ / مرة في هذا الجانب وأخرى في ذاك.
تابعنا على تلك الحال طريقنا خلال عدد من الساعات ، نسير في سهل رائع تحيط به الجبال من كل الجوانب ، وليس فيه من الزرع إلّا العوسج وبعض أجمات الأشواك. كان يعسكر في هذا السهل خيّالة كرد عثمان أغا. رأينا من بعيد الخيام البيضاء ، والخيول ترعى بحرية تلك الأشواك.
كانت القافلة تتقدم بهدوء ، تحت شمس لطيفة ، وفجأة ، وبناء على إشارة من الشريف حثت الخطى ، واستمر الجري المصحوب برنين الأجراس نصف ساعة قطعنا خلالها بلدات كثيرة. ولم يكن المشاة أقل سرعة في الجري من الهجن ، ولم يتأخروا عنها خطوة واحدة. ولم يخبرنا الشريف أبدا سبب تلك المناورة السريعة ، ولكنني أحاول تخمينه : إنه حالة العداء التي تسود بين العرب والأتراك ، ولما كان الشريف حامد لا يجهل الحقد الذي يكنه السنجق (١)
__________________
(١) عن كلمة سنجق انظر : المعجم الموسوعي للمصطلحات العثمانية التاريخية ، موثق سابقا ، ص ١٣٦.