أما الزمام فكان من الجلد المضفور بمهارة. كان لنا ، ونحن على ظهور الهجن تحفّ بنا المرافقة ، والشريف يقودنا ، / ٢٠٩ / هيئة مؤمنين حقيقيين يتجهون إلى الحج. وعند ما رآنا أحد الأطفال الذين كانوا على قارعة الطريق الذي كنا نمر به أخطأ وقال لرفاقة : «انظروا ، إنهم ذاهبون إلى مكة المكرمة ـ فأجابه أحد الصبية ممن هم أكثر بصيرة ، كيف ذلك؟ إنهم نصارى».
ولمّا كان خروجنا من باب مكة المكرمة فإننا عبرنا معسكر النوبيين ، وأرض المعرض المقام خارج الأسوار ، ثم يأتي بعد ذلك صفين من الحوانيت والمقاهي المشبوهة المنتشرة على جانبي الطريق لمسافة كيلومتر. لقد رافقنا عدد من معارفنا منهم : السيد كول على حصان ، ومصطفى أفندي على بغلته ، والإخوة ساوة ، وآخرون أيضا ، ظلوا برفقتنا حتى الرغامة المقهى الأول من اثني عشر مقهى منتشرة على الطريق من جدة إلى مكة المكرمة. شربنا في الرغامة قهوة الوداع ، وكان الليل قد هبط عند ما تفرقنا. كنا في قلب الصحراء ، وكانت الرمال تجعل القافلة تتقدم بخطوات بطيئة ، حتى إن شيئا لم يكن يعكر سكون الليل. وقابلنا في الظلمات قافلة طويلة من الجمال كان الصمت يخيم عليها ، ولم يكن هناك ما يشير إلى مرورها.
بدأنا بعد بضعة أميال نرتقي أحد الشعاب المحصورة بين جبلين منخفضين ، وكانت النجوم تلتمع على قمتيهما كأنها النيران. وكان هناك في أسفل السفح المقابل مقهى البياضة ، وهو ثاني مقاهي الطريق. وكنا ننوي الاستمرار في المسير حتى المقهى الثالث ، بل أبعد من ذلك ، / ٢١٠ / ولكنني أصبت بنوبة من الحمى مفاجئة وعنيفة ؛ مما جعل من المستحيل المضي أبعد من ذلك ، واضطرت القافلة إلى التوقف في المقهى الثاني لقضاء الليل ، ولكن ليس من دون أن يقوم الشريف بنشر حراس من حولنا لتأمين الحماية. لم نحمل معنا خيامنا ، وكان لي بدلا عنها حصيرة نصبت على أربعة أعمدة ، واستلقيت فيها على سجادتي ينتابني القلق من الظرف الطارىء ، ويتملكني الخوف من أن يكون للوعكة التي أصابتني عواقب غير محمودة ، ويظن العرب أن سبب مرضي يعود إلى شرب فنجان من القهوة مباشرة بعد