ضيوف الشريف الأكبر ، وهذه الصفة تفرض عليه احترامنا ، وإنه يسيء كل الإساءة إلى سيده بتصرفه الذي لا يتناسب أبدا مع نواياه. وأضاف أن حسن الضيافة هو الواجب الأول الذي يقوم به العرب إزاء الأجانب ، وأن النبي صلىاللهعليهوسلم أوصى بذلك حتى تجاه الكفار أنفسهم ، وأننا نأتي من بعيد جدا لزيارة بلادهم ، وعند ما نعود إلى أوطاننا ، ماذا سنقول / ٢١٦ / عنهم لمواطنينا إن لم نجد في الجزيرة العربية ما نستحقه من تقدير واحترام؟ ولم يفت السيد دوكيه كلمة واحدة من ذلك الحوار ، وأعاده على مسامعي كلمة كلمة في اللحظة نفسها. ولكن «أبو سلاسي» لم يرعو بعدها ، إلّا أنه بدا أكثر تحفظا في كلامه ، ولم يكن ليجرؤ في المستقبل على القيام بمثل تلك التجاوزات.
ظهر أحمد (رئيس الجمّالة) من جديد أخيرا ، وحمل معه كما يبدو معلومات محددة ، لأن القافلة عادت إلى مسيرتها دون أي تردد ، كان عليها أن تعود القهقرى بعض الوقت ، ثم تنحرف فجأة نحو الجنوب ، وترتقي هضبة وعرة لم أتبين في الظلام ملامحها. وعند ما وصلنا إلى القمة لمحنا أضواء على البعد ، وسمعنا نباح الكلاب ، ومررنا بعد لحظات قليلة قرب قطيع من الأغنام ؛ أما رعاته الذين لم أتبين إلا أشباحهم السوداء فقد برزوا أمامنا ، وحيوا الشريف باحترام ، وقادونا إلى ملكيّة مسورة ، واسعة ، مكونة من أفنان متداخلة ، واستقبلنا هناك طاهر أفندي ، أحد خدم الشريف الأكبر ؛ وأستعمل هنا كلمة خادم بالمعنى الذي كانت تحمله في القرن السابع عشر ، للإشارة إلى شخص حر يعمل في قصر أحد الأمراء. كان طاهر أفندي قد جاء من مكة المكرمة في اليوم نفسه لاستقبالنا ، وقد خلصه وصولنا المتأخر من / ٢١٧ / قلق كبير : كان الوقت قريبا من منتصف الليل ، وكان يرتعد خوفا من أن يكون أصابنا أي مكروه. ويالعظم دهشتي عند ما رأيت موظف أمير مكة المكرمة هذا يرتدي بزّة أوروبية.
لقد رافقني مصطفى أفندي للقيام بجولة في البستان المسور المسمى الحسينية ، وهو ملكية زراعية أو رعوية للشريف الأكبر ، اطلعت خلال الجولة على مشهد حقيقي من مشاهد الحياة العربية : كانت الملكية مسورة بإحكام من كل الجهات ، وكانت المساحة الداخلية غير مسقوفة ، وكان الموقد يتأجج في