الوسط ، وقد وضع عليه قدر ضخم من النحاس. وكان هناك عدد من الخدم يذرعون البيت جيئة وذهابا ، يقومون على العناية بالطبخ ، أما خدمنا فقد استلقوا حول النار متعبين من يوم شاق.
كان البستان فسيحا يتسع للجميع ، وظلت الهجن وحدها في الخارج ، وكانت قطع من الخشب الصمغي قد أشعلت بمثابة مشاعل ، وتنشر في المكان رائحة قوية طيبة ، وانعكاسات حمراء لها مظهر رائع. ولم يتأخر طعام العشاء : كان عبارة عن خروف ضخم مسلوق كاملا ، إنه خروف الضيافة الأصيلة ، استخرجوه من قعر ذلك القدر ، ووضعوه أمامنا في جفنة (١). ثم قام أحد العبيد السود بشقه إلى قسمين بضربة يطقان ، وقامت أصابعنا بعد ذلك مقام شوكات الطعام ، ونال الجميع أسيادا وتبعا نصيبهم من الوليمة. وعند ما انتهينا من الطعام قام الخدم بمد السجاد على الأرض الجرداء / ٢١٨ / ، واستلقينا عليه دون أن نخلع ثيابنا ، ونمنا مختلطين ، نلتحف السماء. لم يكن النهوض أقل روعة من النوم ، ولكنه لم يكن مبكرا ، ومع أن الجميع انتهوا بعد فترة وجيزة من الاغتسال ، وكانت الشمس قد بدأت بالسطوع منذ زمن طويل عند ما كنا جاهزين للانطلاق. وكان عدد من عبيد المنزل أو بعبارة أدق : البستان ، قد حيونا عند الاستيقاظ بالضرب على طبول صغيرة يحملونها معهم على الدوام. وكان ينتصب أمام الحسينية جبل ثور (٢) حيث اختبأ النبي صلىاللهعليهوسلم مع صاحبه المخلص أبي بكر رضياللهعنه في الغار للإفلات من مشركي مكة المكرمة الذين كانوا يلاحقونهما. وتذكر إحدى الحكايات المحلية أن النبي داود عليهالسلام (٣) مدفون في
__________________
(١) Madrier ـ جفنة وجمعها جفان وجفنات ؛ وهي ما كانت العرب تضع الطعام به ؛ وقد وصفها ديدييه بقوله : إنها محفورة على شكل صحن.
(٢) يقع إلى الجنوب من مكة المكرمة بحوالي ساعة ونصف الساعة ، إلى الشمال من الطريق المؤدية إلى قرية الحسينية ، وهو جبل شامخ يقال : إنه أعلى من جبل النور. وقد أشار القرآن الكريم في سورة التوبة ، الآية ٤٠ إلى اختبار النبي صلىاللهعليهوسلم وأبي بكر في الغار. انظر : رحلات بوركهارت ... ، موثق سابقا ، ص ١٦٤.
(٣) لم أجد هذا في مكان آخر.