تختفي المزروعات تماما. وترهص كتل الجرانيت الضخمة المتراكبة فوق بعضها بنهاية الأرض السهلية.
بدأنا بالانحدار ، ولكن ، باستثناء بعض المنحدرات الشديدة بعض الشدة ، وبعض الممار التي كان في عبورها شيء من الصعوبة ، فإن هذا الجانب لا علاقة له البتة / ٢٣٤ / بالجانب المقابل ، وإذا قورن به فإنه سيكون بمثابة انحدار صغير. وقد كان بإمكان الهجن أن تسير عليه بيسر وسهولة. كان هناك منحدر أول ، يتبعه شعب رملي مستو كل الاستواء ، محصور بين هضبتين منخفضتين ، وينتصب في آخره حصن مهدم كان فيما مضى مخصصا لحماية القوافل. ولم يعد اليوم يستخدم إلّا لتزيين المشهد ، وسكن الجوارح التي تخفي فيه أو كارها. لقد كان الأفق حتى هنا مغلقا ، ثم انفتح فجأة ، كما لو أن ذلك تمّ بفعل السحر. لقد انبسط أمامنا سهل ضخم دائري ، ولكنه كان أكثر انخفاضا من المنطقة التي كنا فيها وتحيط به من كل الجهات سلسلة جبال غزوان (١) الجرداء ؛ وهي جبال متساوية العلو تقريبا ، ولكنها تتفاوت في أشكالها ، وكانت كلها حينئذ يغشاها لون المساء الأرجواني. وكان شيء من البياض يبدو في وسط السهل : إنها الطائف. يؤدي منحدر ثان أقل انحدارا وقصرا من الأول إلى وادي القرن الذي كان مرصعا بالروضات ، وتشقها كلها سواقي المياه التي تدل على أن الشعب الذي يسكن المكان شعب حاذق.
قابلنا طوال الأمسية كثيرا من العرب المسلحين في الجبل ، وقابلنا أكثر منهم أيضا في الوادي ، ولكنهم بلا سلاح ، ويعملون بسلام على استخراج الماء لري روضاتهم ، أو لسقاية قطعانهم. / ٢٣٥ / وكان الجميع يتركون أعمالهم عند اقترابنا منهم ، ويقبلون للسلام على الشريفين وعلينا بطريقة غير مباشرة. كانت رؤوس هؤلاء البدو المزارعين الذين هم أكثر سوادا من بدو حدّة
__________________
(١) ذكر البلادي في معجم معالم الحجاز ، ج ٥ ، ص ٢٢٤ أن الصواب : عروان بالعين المهملة والراء المهملة ، ويبعد عن الطائف سبعين كيلا. ولا يعتدّ بهذا لأنه : غزوان في الكتب الجغرافية العربيّة القديمة ؛ انظر : المقدسي وغيره.