مع الشريف عبد المطلب ؛ أن هذا الأخير يميل إلى دعم روسيا (١) لا حبا بها أيضا ، وإنما لأنه في رأي ديدييه لا يمكن لعربي أن يتمنى انتصار تركيا التي تستعمر الأمة العربية ، وتعامل العرب أسوأ معاملة : إن هذه الإشارات التي تصدر عن ديدييه تجعل السؤال التالي مشروعا : هل كان ديدييه في عام (١٨٥٤ م) مع القس هاملتون Abbe ? Hamilton رفيقه في الرحلة في مهمة لاستطلاع آراء الشريف والشخصيات الأخرى في الحجاز في الدولة العثمانية ، ومدى ارتباط الشعب بتلك الدولة التي كانت على وشك السقوط أمام الزحف
الروسي؟ فقد أكدت الأحداث اللاحقة أن فرنسا وبريطانيا تدخلتا لصالح تركيا طمعا في اقتسام تركتها بعد ذلك ، وإبعاد روسيا عن مناطق نفوذهما ، ودفعتا روسيا قسرا إلى توقيع معاهدة باريس (١٨٥٦ م) ، ناهيك عن أن سياسة نابليون الثالث (الإمبراطورية الثانية) كانت تقوم على إيجاد ضغوط خارجية للاستمرار في الحكم ، وكان ديدييه كما يقول هو نفسه شاهد عيان على انقلاب (٢ ديسمبر ١٨٥١ م) في فرنسا. فهل كان ديدييه مبعوث نابليون الثالث لاستكشاف منطقة الحجاز؟ والإجابة تحتاج إلى مكان أوسع ، ودراسة نترك للمختصين القيام بها ، ونكتفي بطرح القضية هنا ، ونختم بالإشارة إلى ما ذكره الشيخ أبو عبد الرحمن بن عقيل في تعليقه على رحلة بلجريف (٢) «... ولما كان نابليون الثالث
__________________
(١) يقول الدكتور آل زلفة في مقالته الرابعة من المقالات المذكورة في الحاشية (١ ، ص ٣١) من هذه المقدمة : «أما موقف الشريف عبد المطلب من الحرب الروسية التركية فربما يلمح المؤلف من خلاله ، تأييده لروسيا. هذا رأي المؤلف ، وربما كان للشريف رأي آخر».
(٢) مسائل في تاريخ الجزيرة العربية ، ألفها وحققها أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري ، منشورات مؤسسة دار الأصالة للثقافة والنشر والإعلام ، الرياض ، ط ١ ، ١٤١٣ ه / ١٩٩٣ م ، ص ٢٠٦ ، ٢٠٨ ؛ وانظر : دراسات في تاريخ الجزيرة العربية الحديث والمعاصر ، د. عبد الفتاح حسن أبو علية ، دار المريخ ، الرياض ، ١٤٠٦ ه / ١٩٨٦ م ، ص ١٢٥ ـ ١٤٤. ونضيف إلى ما ذكره الشيخ أبو عقيل منم أدلة على كذب بلجريف وعدم إنصافه ، ما أورده ناصر الدين دينيه في كتابه : الحج إلى بيت الله الحرام ، إذ يقول : «... ولكننا لا نولي ما يورده هذا الرحالة ثقة كبيرة ؛ لأنه ـ