الجزيرة العربية ، وأنه ، نفسه ، اعترته الدهشة من الاستقبال الحافل الذي لقيه من الشريف الأكبر ، يقول على سبيل المثال : «... إن وجود بريطاني وفرنسي يجوبان الحجاز في هذه الفترة السياسية السائدة فيه ، مدعاة للشك ، مما يجعل الناس يظنون أن حكومة كلّ منهما أرسلت مواطنها لدراسة الأوضاع في الحجاز ، واستطلاع مدى ارتباطه بالباب العالي ، وموقفه منه. وعلى الرغم من أن ذلك غير صحيح ، ولكنه غير مستبعد ، ولا مبالغ فيه ، وإن شك الشريف الأكبر في ذلك ، جعله يعاملنا تلك المعاملة اللائقة ...» (١).
يمكن أن يصدّق المرء للوهلة الأولى ما يدعيه ديدييه ، ولكن حياة الرجل ، واطلاعه على الأحداث الدولية ، واهتماماته السياسية ، وارتباطه القوي بهويته المسيحية ، وكرهه الشديد للإمبراطورية العثمانية ، ولكل من يرتبط بها (محمد علي وأتباعه) ، وانعكاس ذلك الكره الذي ينقلب في بعض الأحيان إلى عنصرية ، كل ذلك يجعلنا نتساءل ، عمّا سميناه ملابسات الرحلة.
لقد سبق لديدييه أن تولى مهمات سياسية لصالح بلده كما رأينا في أطوار حياته ، وليس بالغريب أن تنسد إليه مهمات أخرى!
إن تدخل القنصل البريطاني السيد كول ، ومرافقة المترجم في القنصلية الفرنسية وموثق العقود فيها السيد دوكيه M.Dequie ? لديدييه ورفيقه البريطاني ، والاستقبال الحافل الذي لقياه في الطائف ، والحراسة التي أرسلها الشريف ، كل ذلك يدفعنا إلى طرح سؤال ربما يجد إجابة في أبحاث لا حقة ليس مكانها هنا. يتحدث ديدييه عن أحداث هامة على المستوى الفرنسي المحلي (انقلاب الثاني من ديسمبر ١٨٥١ م) ، وعن موقف فرنسا من الإمبراطورية العثمانية الذي يصفه بأنه (كوميديا) (٢) ، ثم يتحدث عن حرب (القرم) بين تركيا وروسيا التي جرت بين عامي (١٨٥٣ م ـ ١٨٥٦ م) ، ووقوف بريطانيا وفرنسا إلى جانب تركيا لا حبا بها ، وإنما للوقوف في وجه روسيا. ويخيّل إليه من خلال حديثه
__________________
(١) الأصل الفرنسي ص / ٢٩٥ /.
(٢) انظر ما ذكرناه في الحاشية (رقم ١ ، ص ١٦) من هذه المقدمة.