كانوا على الدوام ضمن الحاشية. ناهيك عن أننا اصطحبنا معنا عددا من خدمنا الخاص ، ولم نر الشريف حامد كثيرا مدة إقامتنا في الطائف ؛ إذ لمّا وصلناها ، وانتهت مهمته ، أو علّقت على الأقل ، ولم يكن عليه أن يعود للسفر مرة أخرى إلّا عند مغادرتنا إلى جدة ، فقد كان لديه أصدقاء يزورهم ، وأعمال يصرّفها ، ولم يكن معنا إبّان الجولة. وقد حل محله الشريف سليم الذي أرسل لملاقاتنا عند جبل كرا ، ثم كلّف أن يرينا مدينة الطائف. ليس لدي ما أقوله بخصوص هذا الشريف إلّا القليل ؛ إذ لم أقض معه إلّا فترة بسيطة : لقد بدا متحضرا ، ولكنه قليل التواصل ، مما جعلني أسف على صداقة الشريف حامد ولطفه ومودته. كان الشريف سليم يركب فرسه البيضاء ، وكان وجودها يثير أحصنتنا ، ويجعلها صعبة المراس. كنت لحسن الحظ أمتطي حصاني «عسير» ، وكان علي الاغتباط لذلك ؛ لأن قوة شكيمته أنقذتني من حادث مؤلم ؛ كنا على مسافة من المدينة ، نسير في منطقة ضيقة / ٢٥٥ / تحيط بها من كل جهة هوة عمقها من ٦ إلى ٧ أقدام ، ولا حظت متأخرا أن شجرة ضخمة ذات أشواك تعترض طريقي ، كانت على مسافة قريبة جدا مني ، ولمّا حاولت تلافيها كنت كالمستجير من الرمضاء بالنار : إذ قمت بحركة خاطئة جعلتني أسقط مع الحصان في قعر الهوة ؛ ولحسن الطالع ، سقط الحصان على قدميه ، ولم أسقط عن صهوته ، ولكن كيف السبيل إلى الخروج من الهوة؟ لقد تكفل عسير بذلك وحده ، ونهض من الكبوة بجهده ، دون مساعدة أحد ، ودون أن أحثه بالمهماز على ذلك ؛ لقد تسلق الهوة عموديا بقائمتيه الأماميتين ، ثم حرك عرقوبي الخلفيتين حركة قوية ، وبقفزة واحدة كنا معا على الطريق.
كان فرح السائس بلا حدود ، ومتناسبا مع الخوف الذي اعتراه : لقد ظنني ميتا ، أو على الأقل مهشما ؛ لأنه ، بحكم مهامّه ، مسؤول عن أمني ، ولو أصابني مكروه لكان أول الملومين ؛ ولمّا كان سيده مهتما بنا فإنه كان سيدفع غاليا ثمن أي حادث يصيبني ، ولو كان بسيطا. كنا حتى الآن نسير على الرمال ، وسط سهل مجدب ، دون أن نجد ماء ولا خضرة. لقد وجدناهما أخيرا عند ما ولجنا وادي المثناة الذي ترتفع على جانبيه تلال ، قممها جرداء،