الحجاز كله. وقد كان في البستان سرادق يتكوّن من عدد من الغرف يقصده المالك في أوقات فراغه بحثا عن الهدوء والبرودة.
ويوجد أمام هذا البستان بستان آخر يشبهه تماما واسمه : الشريعة. وهو للشريف الأكبر أيضا ، وقد كان قبل عدة شهور مسرحا لشجار دام ، وإليكم السبب. لمّا جاء باشا جدة لزيارة الطائف رافقته حاشية / ٢٥٧ / تتكوّن من مفرزة من الباشي بوزوق الذين يتصرفون بصلفهم المعتاد ، وقد وصلت عصبة من أولئك اللصوص ، الذين كان أغلبهم من الأرناؤوط ، إلى بستان الشريف ، وكانوا يستولون على كل ما يقع تحت أيديهم ، وخصوصا الفاكهة التي يحبها الأتراك بشراهة (١) ، وأرادوا الدخول عنوة إلى بستان الشريعة. وكانت نساء الشريف الأكبر موجودات في البستان ، يحرسهن عدد من الخدم ، ولم يكن الأرناؤوط ليأخذوا في الحسبان ، لا وجود النساء ، ولا منزلة المالك ، واضطر الخدم الذين فاض بهم الكيل إلى مواجهة القوة بالقوة ؛ ودارت إثر ذلك معركة سالت فيها دماء الجانبين ؛ ولمّا علم بدو الجوار بالإهانة التي لحقت بأميرهم سارعوا إلى المكان مسلحين ، ولو لا أن الأرناؤوط ولوا الأدبار مسرعين قبل وصول البدو لما نجا أحد منهم.
ولمّا وصل خبر الحادثة إلى أسماع الباشا الرعديد ، كما يبدو ، حل به الخوف والاضطراب ، وهرب من الطائف إلى جدة على وجه السرعة ، معتقدا أو مدعيا وجود ثورة عامة وسط البدو. ولم يفلح أي شيء في إقناعه بالعودة إلى الطائف ، حتى إلحاح الشريف الأكبر نفسه الذي لم يجد نفعا. ولم يكن وقوع هذا الحادث إلّا ليفاقم العداوة المعلنة من قبل بين العدوين (٢).
__________________
(١) انظر : رحلات بوركهارت ... ، موثق سابقا ، ص ٣٨.
(٢) يذكر هورخرونيه في صفحات من تاريخ مكة المكرمة ، موثق سابقا ، ج ١ ، ص ٢٨٥ أن الصداقة بين باشا مكة المكرمة والشريف عبد المطلب لم تدم طويلا ... فعندما أطلقت بعض العيارات النارية التي اخترقت طربوش الباشا في أثناء وجوده في المثناة بالطائف ـ التي كان يقضي الشريف فيها فترة الصيف ـ لم يستطع الباشا أن يتصور أن حدوث ذلك كان صدفة ، بل إنه أمر وقع بتدبير من الشريف نفسه. ومرة أخرى تمّ ـ