الراحة المطلقة ، والاستراحة الطويلة ، واستمرارية الإحساس الفريد واطراده ، الإحساس نفسه على الدوام ، بفضل ذلك كله ، انتهى بي الأمر إلى الغوص في حلم يقظة عميق ، منسلخا عن العالم الخارجي ، وناسيا له تماما ، وانتهى بي أيضا إلى فقدان الإحساس بالزمان والمكان ، وكنت لأيا / ٢٨١ / واعيا بذاتي. من أين أتيت ، وأين أنا ، وأين أمضي؟ ولم أكن أعي ذلك كله إلّا بصورة ضبابية مختلطة.
كانت تتراءى أمامي وتعود إلى الترائي أحداث الرحلة التي قمت بها ومراحلها ، والأماكن ، والصروح ، والأشخاص ، كما لو أنها أضغاث أحلام. ولم أكن ألمح العودة إلّا من خلال ضباب كثيف في مكان بعيد سديمي. وإن حدث لي في الفلتات أن أفكر بأوروبا وباريس ، وبأصدقائي وأعدائي الذين تركتهم هناك ، وبالصراع المرير الذي كان علي في الماضي أن أخوضه هناك ، وبسوء الحظ المرير الذي كان يلازمني هناك ، وبالخيانات الغادرة ، وبالمصائب المتنوعة التي حلت بي ، كل هذه الأشياء ، كانت تعبر ذاكرتي كما لو أنها ذكريات مبهمة لحياة سابقة لم تنته أبدا : كان الندم والآلام ، حتى أكثر المشاعر شرعية ، كل ذلك ، قد خبا في غمرة انغماسي فيما يفوق الوصف من سكينة وسلام.
استمرت هذه السعادة البالغة ، هذا الكيف ، بالعبارة المحلية المناسبة لوصف حالة الجسد والروح التي كنت فيها حينئذ ، سبع ساعات كاملة ، وقد مرت هذه الساعات السبع كما لو أنها ثانية واحدة. لقد أعادني إلى الواقع نفير الانطلاق ، لأنه كان ينبغي في نهاية الأمر أن ننطلق ، وبينما كنت منغمسا في الملذات الهانئة لذلك المنتجع الريفي (١) ، كان يجري على بعد خطوات أمام البيت الذي نزلنا فيه مشهد / ٢٨٢ / مختلف تماما ؛ لقد كان عمل الشريف حامد يقتضي منه أن يكون في مكة المكرمة ، إلّا أنه كان يقيم ، كما سبق لي القول ، في وادي فاطمة ، وله فيه بيته وحريمه ، وكان يقضي هناك كل الوقت
__________________
(١) في الأصل Gapoue ـ اسم منتجع ريفي في إيطاليا.