الرائعة في السلوك. ومعاذ الله أن تكون غايتي من البحث عن السبب هي التقليل / ٢٩٥ / من قيمة ذلك الكرم الرفيع ، لكي أزيح عن كاهلي أعباء الاعتراف بالجميل ، ولن يكون في بحثي عن الأسباب أي نوع من أنواع إنكار الجميل.
إن العرب حذرون بطبعهم ، وخصوصا من الأوروبيين ، والعرب يرون بواعث سرية تكمن وراء تصرفات الأوروبيين كلها ، حتى لو كانت غير ذات بال. والحال أنه من الطبيعي ، في الحالة السياسية التي كانت الجزيرة العربية تعيشها آنذاك ، أن يكون وجود بريطانيّ وفرنسي يجوبان الحجاز مدعاة للشك ، وأن يظنّ أن حكومة كل منهما أرسلت مواطنها لدراسة الوضع في البلد ، واستطلاع مدى ارتباطه بالباب العالي ، وموقفه منه. وعلى الرغم من أن ذلك غير صحيح ، فإنه غير مستبعد ، ولا مبالغ فيه بسبب الظروف ، وإن شك الشريف الأكبر بذلك جعله يعاملنا تلك المعاملة ، باعتبار أنه كان لذلك الشك أساس متين. وحتى لو كان الأمر كذلك ، فإنني أكرر أن اعترافي بالجميل لا تشوبه شائبة. كان الشريف الأكبر حريصا خلال حديثه معنا على ألّا يظهر أي تحيز لصالح روسيا ، بل بدا قاسيا بأحكامه عليها ، معاديا لها ، ذا موقف هجومي ؛ مع أنه من المستحيل أن تجد عربيا ، بله الشريف الأكبر ، لا يكنّ تعاطفا خفيا لأعداء تركية. ولا ينبغي أن ننسى أنه ليس للأتراك حق في الجزيرة العربية أكثر مما للنمسا في إيطاليا على سبيل المثال ، وأكثر مما لروسيا في بولونيا ، وأن الأتراك يسيطرون على الجزيرة العربية بالقوة بعد / ٢٩٦ / أن أسقطوا حكومة الأشراف الوطنية ، وبعد أن وقع غالب والد الشريف عبد المطلب ضحية خيانتهم المشهورة ، ومات في المنفى بعد أن نفوه إلى أراض تابعة للدولة العثمانية ، وقضى ابنه عبد المطلب نفسه أربعا وعشرين سنة من عمره في ذلك المنفى ، ولمّا عاد في النهاية إلى وطنه ومنصبه الوراثي لم يكن له إلّا ظل سلطة محدودة.
إن كل ما يضعف الباب العالي لا بد له أن يلقى قبولا في نفوس العرب عموما ، وفي نفس الشريف الأكبر خصوصا ، وأن يمنحهم أملا مشروعا في