لم يكن له أي حظ من الثقافة ، ولا من التعليم ، لم يكن مهيّأ ليعطي العرب عن فرنسا فكرة إيجابية ، ولم يترك في جدة إلّا ذكريات محزنة. كان بلا أسرة ، ولم يكن اجتماعيا ، ويعيش منعزلا تماما في منزل ضخم في حي اليمن ، وكان قد أذاق السيد دوكيه المترجم وموثق العقود في القنصلية الأمرّين ، مما دعا هذا الرجل الرائع إلى مغادرة المنزل القنصلي ، والإقامة في منزل خاص ليستطيع العيش بسلام وحرية ، ناهيك عن أنه ناصب القنصل البريطاني السيد كول العداء علانية ، وبدون أي سبب ، وهو زميله ، والأوروبي الوحيد المقيم في جدة على الدوام : مما دفع أهل جدة بالطبع إلى الاستنتاج أن حلول الوئام بين الأوروبيين النصارى أمر مستبعد ، لأن الأوروبيين الوحيدين المقيمين في جدة يكنان العداوة لبعضهما.
لم أسترح لذلك الشخص ، ولم أزره خلال إقامتي في جدة إلّا زيارات قصيرة / ٣٠٨ / للمجاملة ، والحق أنه كان مريضا جدا ، ولم يكن يغادر سريره إلّا قليلا. ولمّا عدت من الطائف وجدت أن حالته تفاقمت ، وبدا لي أنه يعيش أيامه الأخيرة. لقد كانت تلك الأعراض أكيدة : إذ توفي بعد ثلاثة أيام ، وشاركت في وضعه في تابوته. وأقام السيد دوكيه في القنصلية ليصرّف شؤونها بالوكالة ، وتحدد موعد الدفن على أن يكون في اليوم التالي. وقد وعد الباشا بإرسال مفرزة لائقة من الجنود النظاميين ، وعدد من القواسين (١) Cawas يكفي لأن يكونوا في أول الموكب وآخره. ولكنه بدا في اللحظة الأخيرة أنه قام بالأمر على مضض ، وبمنتهى السوء ، وكنت والسيد كول متفقين على رفض كل ما قدمه من القواسين Cawas والجنود. لقد كنت منزعجا كل الانزعاج من عدم التقدير الذي يلقاه ممثل فرنسا من ذلك التركي ، في الوقت الذي تبذل فيه فرنسا دماء أبنائها وذهبها من أجل تركية ؛ وقد كان السيد كول مستاء ، وأعلن بصوت عال أن الإهانة لا تمس فرنسا فقط ، وإنما تمس بريطانيا نفسها ، والعالم المسيحي كله. ورفعت شكوى إلى إستانبول وباريس كما ينص
__________________
(١) ضباط الشرطة كما ذكر بيرتون في رحلته ، موثق سابقا ، ج ١ ، ص ٩ ، ٣٢ ، ٤٢.