خروجي من الخيمة برج التلغراف : الذي نصب على أكمة كثيرة الحصى ، كان ينتصب أمامي كأنه شبح مخيف في لون الغسق الشاحب. لقد سررت بوجوده في هذه اللحظة ، وبالمصير الذي حمله إلى هذا المكان بفضل الأثر الرابع الذي كان يضفيه على المنظر الطبيعي. بزغت الشمس بعد أن أرهص بها فجر / ٨ / بهي ، بزغت ، وهي لامعة كما كانت عند الغروب ، تعد بيوم أكثر جمالا من سابقه ، وقد وفت بما وعدت.
بدأنا برفع الأحمال على الجمال ، وذلك عمل يقوم به الجمّالة برشاقة وخفة عند ما يوافق ذلك هواهم ، ولكنهم اعتادوا أن يقوموا به متثاقلين لأنهم يكرهون الرحيل في الصباح الباكر. إذا كان الوقت متأخرا عند ما أصبحت القافلة جاهزة للمسير.
لقد لفت نظري في المحطة التالية بيوت منخفضة ، نصفها غائر في الأرض ، يسكنها بعض الفلاحين الفقراء ، القابعين بهذه الجحور كأنهم ثعالب مع إناثهم وصغارهم ، يمارسون مهنة لست أدري ما كنهها؟ ولست أدري كيف يعيشون؟ وأترك حل هذه المسألة لمن هم أكثر تبصرا. كانت إحدى نسائهم المحجبات ، كما هي حال كل النساء ، تجلس القرفصاء على قارعة الطريق كأنها طائر العنقاء ، وأمامها سلة مملوءة بالبرتقال الذي تبيعه للمارة بقليل من البارات (١) ، وإنه لمن المشكوك فيه أن تجني تلك البائعة البائسة ثروة من
__________________
(١) جمع بارة وهي جزء من الريال العثماني ومن النحاس ، وعرفت بين الناس بالبارات المجيدية نسبة إلى السلطان عبد المجيد خان الذي عاش في الفترة ما بين ١٨٢٣ ـ ١٨٦١ م ، وولي الحكم منذ عام ١٨٣٩ حتى وفاته وكانت تحمل غالبا في الوجه الطغرى باسم السلطان العثماني عبد المجيد ، وسنة الجلوس على العرش ، أما الظهر فكان يحوي تاريخ السك ومكانه وتاريخ تولي السلطان. انظر : تطور النقود في المملكة العربية السعودية ، موثق سابقا ، ص ٢١. وتشكل الجزء الأربعين من القرش التركي ، وقال بوركهارت إنها أصغر عملة معدنية تركية (تسمى هنا ديواني) ، متداولة في كل أنحاء الحجاز ، ويطلبها الناس بكثرة بسبب أن سعرها الحقيقي أكثر من القرش المصري. انظر : رحلات بوركهارت ... ، موثق سابقا ، ص ٤٩.