إليها أمر حماية البئر ، وكانت تأخذ رسوما من كل من يأتي للتزود بالماء. شربت حميرنا هنا لأول مرة ، ولعلنا نتخيل بأي شراهة فعلت ذلك ، بعد أن ظلت تسعا وستين ساعة محرومة من الماء ؛ قطعت خلالها مسافة ثمانية وعشرين فرسخا. لقد كان للموقع ، على الرغم من جفافه ، مظهر مدهش ؛ فهذه البئر التي تردها الجمال ، وذلك القصر المتداعي ، والبدو الذين يسكنونه ، كل ذلك يوحي إلى الفنان بفكرة لوحة أصيلة.
كان هناك على بعد عدة فراسخ بئر أخرى ، تسمى بئر السويس ، بسبب قربها من المدينة التي منحتها اسمها ، ولكن ماءها أجاج ولا يصلح إلا للمواشي ؛ وهي محاطة بالأسوار أيضا ، وكانت في تلك الأثناء قافلة تحمل الرقيق قد توقفت عندها. كان العبيد السود عراة تماما ، ويجلسون على الرمل وقد اختلطوا بالجمال ، وهم يتناولون طعام الغداء المتواضع المكوّن من قبضة من التمر وقطعة / ٢١ / من الخبز العربي المدور والمرقوق كأنه الصحن ، والطري كالإسفنج ، عجينته لم تختمر ، ولم ينضج كما ينبغي له ، وقد وجدت له في كل مكان أكلته فيه طعما غير مستحب هو طعم النحاس. لم يكن يبدو أن أولئك الأحداث الذين أخذوا من أسرهم صغارا يشعرون بما هم فيه من أسى ، بل كانوا تحت مراقبة الجلاب وسوطه يترنمون فرحين بصوت خافت وكأنهم جماعة نحل. إن الرق في الشرق أقل صعوبة مما هو عليه في الغرب ، وستسنح لي الفرصة بلا شك كي أعود إلى الحديث عن تطور تجارة الرقيق ووضع العبيد عند المسلمين (١).
لقد تغير مدى الرؤية ، وبدأنا نلمح البحر الأحمر الذي تعجز الأوصاف عن نعت لونه الأزرق الصافي. وكانت جبال الجزيرة العربية تنتصب في الجنوب الشرقي ، ويعلو كل ذلك القمم الجرانيتية لسلسلة جبال سيناء الممتدة على شكل مدرج حتى أبعد نقطة في الأفق. كان منظرها رائعا ، وكانت
__________________
(١) سيتحدث ديدييه عن رفيق رحلته هذا ببعض التفصيل في ص ١٣٧ ـ ١٤٢ من أصل الرحالة الفرنسي الذي وضعنا أرقامه في النص العربي بين / / وسنذكر بعض المصادر الأخرى في المكان المشار إليه.